حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا موسى بن
أبي عائشة قال حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس
في قوله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل
به قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج
من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه فقال ابن عباس فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك
شفتيه فأنزل الله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل
به إن علينا جمعه وقرآنه قال جمعه لك في صدرك
وتقرأه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قال فاستمع
له وأنصت ثم إن علينا بيانه ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم
كما قرأه
5
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ
بِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ
شَفَتَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا
كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ
بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قَالَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ فَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ
اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ
4. Telah menceritakan kepada kami Musa bin Isma'il dia berkata, Telah menceritakan kepada kami Abu 'Awanah berkata, bahwa Telah menceritakan kepada kami Musa bin Abu Aisyah berkata, Telah menceritakan kepada kami Sa'id bin Jubair dari Ibnu 'Abbas tentang firman Allah Ta'ala: (Janganlah kamu gerakkan lidahmu untuk (membaca) Al Quran karena hendak cepat-cepat ingin (menguasainya)." Berkata Ibnu 'Abbas: "Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam sangat kuat keinginannya untuk menghafalkan apa yang diturunkan (Al Qur'an) dan menggerak-gerakkan kedua bibir Beliau." Berkata Ibnu 'Abbas: "aku akan menggerakkan kedua bibirku (untuk membacakannya) kepada kalian sebagaimana Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam melakukannya kepadaku". Berkata Sa'id: "Dan aku akan menggerakkan kedua bibirku (untuk membacakannya) kepada kalian sebagaimana aku melihat Ibnu 'Abbas melakukannya. Maka Nabi shallallahu 'alaihi wasallam menggerakkan kedua bibirnya, Kemudian turunlah firman Allah Ta'ala: Janganlah kamu gerakkan lidahmu untuk (membaca) Al Quran karena hendak cepat-cepat (menguasai) nya. Sesungguhnya atas tanggungan Kamilah mengumpulkannya (di dadamu) dan (membuatmu pandai) membacanya". Maksudnya Allah mengumpulkannya di dalam dadamu (untuk dihafalkan) dan kemudian kamu membacanya: "Apabila Kami telah selesai membacakannya, maka ikutilah bacaannya itu". Maksudnya: "Dengarkanlah dan diamlah". Kemudian Allah Ta'ala berfirman: "Kemudian, sesungguhnya atas tanggungan Kamilah penjelasannya. Maksudnya: "Dan Kewajiban Kamilah untuk membacakannya" Dan Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam sejak saat itu bila Jibril 'Alaihis Salam datang kepadanya, Beliau mendengarkannya. Dan bila Jibril 'Alaihis Salam sudah pergi, maka Nabi shallallahu 'alaihi wasallam membacakannya (kepada para sahabat) sebagaimana Jibril 'Alaihis Salam membacakannya kepada Beliau shallallahu 'alaihi wasallam
Terjemahan Hadith
فتح الباري
لابن حجر
[5] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ وَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ
الْمِصْرِيِّينَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ هُوَ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ كَانَ كِتَابُهُ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ
وَمُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ لَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى
بَعْضِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ كَانَ مِمَّا
يُعَالِجُ الْمُعَالَجَةُ مُحَاوَلَةُ الشَّيْءِ بِمَشَقَّةٍ أَيْ كَانَ الْعِلَاجُ
نَاشِئًا مِنْ تَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ أَيْ مَبْدَأُ الْعِلَاجِ مِنْهُ أَوْ مَا مَوْصُولَةٌ
وَأُطْلِقَتْ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ مَجَازًا هَكَذَا قَرَّرَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَفِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّ الشِّدَّةَ حَاصِلَةٌ لَهُ قَبْلَ التَّحَرُّكِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ
ثَابِتٌ السَّرَقُسْطِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ كَانَ كَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَوُرُودُهُمَا
فِي هَذَا كَثِيرٌ وَمِنْهُ حَدِيثُ الرُّؤْيَا كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَإِنَّا لَمِمَّا نضرب الْكَبْش
ضَرْبَة على وَجْهِهِ يُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الْفَمِ.
.
قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ
أَنَّ رِوَايَةَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ
أَبِي عَائِشَةَ وَلَفْظُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ فَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ
فَأَتَى بِهَذَا اللَّفْظُ مُجَرَّدًا عَنْ تَقَدُّمِ الْعِلَاجِ الَّذِي قَدَّرَهُ
الْكِرْمَانِيُّ فَظَهَرَ مَا قَالَ ثَابِتٌ وَوَجْهُ مَا قَالَ غَيْرُهُ أَنَّ مِنْ
إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا مَا كَانَتْ بِمَعْنَى رُبَّمَا وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ
وَالْكَثِيرِ وَفِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ مَوَاضِعُ مِنْ هَذَا مِنْهَا قَوْلُهُ.
.
اعْلَمْ أَنَّهُمْ
مِمَّا يَحْذِفُونَ كَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ كُنَّا إِذَا
صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا نُحِبُّ أَنْ
نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ الْحَدِيثَ وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا قَوْلُهُ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بِالْفَاءِ وَفَائِدَةُ هَذَا زِيَادَةُ الْبَيَانِ فِي الْوَصْفِ
عَلَى الْقَوْلِ وَعَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ كَانَ يُحَرِّكُهُمَا وَفِي الثَّانِي
برأيت لِأَن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ سُورَةَ الْقِيَامَةِ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ بَلِ الظَّاهِرُ
أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَاتِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ
الْبُخَارِيُّ فِي إِيرَادِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَدْء الْوَحْي وَلم يكن بن عَبَّاسٍ
إِذْ ذَاكَ وُلِدَ لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين لَكِنْ يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ بَعْدُ
أَوْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَاهَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي مُسْنَدِ
أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ.
.
وَأَمَّا سَعِيدُ
بن جُبَير فَرَأى ذَلِك من بن عَبَّاسٍ بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ
وَقَوْلُهُ فَأنْزل الله لَا تحرّك بِهِ لسَانك لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ
تَحْرِيكَ الشَّفَتَيْنِ بِالْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لَا
يَنْطِقُبِهَا إِلَّا اللِّسَانُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ أَوِ اكْتَفَى
بِالشَّفَتَيْنِ وَحَذَفَ اللِّسَانَ لِوُضُوحِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي النُّطْقِ
إِذِ الْأَصْلُ حَرَكَةُ الْفَمِ وَكُلٌّ مِنَ الْحَرَكَتَيْنِ نَاشِئٌ عَنْ ذَلِكَ
وَقَدْ مَضَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ
وَشَفَتَيْهِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ إِذَا لُقِّنَ الْقُرْآنَ نَازَعَ جِبْرِيلَ الْقِرَاءَةَ
وَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى يُتِمَّهَا مُسَارَعَةً إِلَى الْحِفْظِ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ
مِنْهُ شَيْءٌ قَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ
يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ يَعْجَلْ بِقِرَاءَتِهِ
لِيَحْفَظَهُ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ يَتَلَقَّى أَوَّلَهُ وَيُحَرِّكْ بِهِ شَفَتَيْهِ
خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَى أَوَّلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ آخِرِهِ وَفِي رِوَايَةِ
الطَّبَرِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَجَّلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ حُبِّهِ إِيَّاهُ وَكِلَا
الْأَمْرَيْنِ مُرَادٌ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ وَالشِّدَّةِ الَّتِي
تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ فَأُمِرَ بِأَنْ يُنْصِتَ حَتَّى يُقْضَى إِلَيْهِ وَحْيُهُ
وَوُعِدَ بِأَنَّهُ آمِنٌ مِنْ تَفَلُّتِهِ مِنْهُ بِالنِّسْيَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَنَحْوُهُ
قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْك وحيه
أَيْ بِالْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ جَمَعَهُ لَكَ صَدْرُكَ كَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات
وَفِيه إِسْنَادُ الْجَمْعِ إِلَى الصَّدْرِ بِالْمَجَازِ كَقَوْلِهِ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ
الْبَقْلَ أَيْ أَنْبَتَ اللَّهُ فِي الرَّبِيعِ الْبَقْلَ وَاللَّامُ فِي لَكَ لِلتَّبْيِينِ
أَوْ لِلتَّعْلِيلِ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْحَمَوِيِّ جَمَعَهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ
وَهُوَ تَوْضِيحٌ لِلْأَوَّلِ وَهَذَا مِنْ تَفْسِيرِ بن عَبَّاسٍ.
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ فَاتَّبِعْ أَيْ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ
وَفِي تَفْسِيرِ بَيَانِهِ أَيْ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ
بِالْبَيَانِ بَيَانُ مُجْمَلَاتِهِ وَتَوْضِيحُ مُشْكِلَاتِهِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ
عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ
فِي الْأُصُولِ وَالْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَخَّرْتُهُ إِلَى
كِتَابِ التَّفْسِيرِ فَهُوَ مَوْضِعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
إرشاد الساري
لشرح صحيح البخاري
[5] حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ
شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا
لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَرِّكُهُمَا.
وَقَالَ سَعِيدٌ
أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا -فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ-
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (
16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ جَمْعُهُ لَهُ فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ
{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ
اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَمَا قَرَأَ.
[الحديث أطرافه
في: 4927، 4928، 4929، 5044، 7524]
.
وبه قال: (
حدّثنا) ولأبي الوقت أخبرنا ( موسى) أبو سلمة ( بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وإسكان
النون وفتح القاف نسبة إلى منقر بن عبيد الحافظ المتوفى بالبصرة في رجب سنة ثلاث وعشرين
ومائتين، ( قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين المهملة والنون الوضاح بن عبد الله اليشكري
بضم الكاف المتوفى سنة ست وتسعين ومائة، ( قال: حدّثنا موسى بن أبي عائشة) أبو الحسن
الكوفي الهمداني بالميم الساكنة والدال المهملة، وأبو عائشة لا يعرف اسمه، ( قال: حدّثنا
سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية ابن هشام الكوفيّ الأسديّ
قتله الحجاج صبرًا في شعبان سنة ست وتسعين ولم يقتل بعده أحدًا، بل لم يعش بعده إلا
أيامًا ( عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما عبد الله الحبر ترجمان القرآن أبي الخلفاء
وأحد العبادلة الأربعة المتوفى بعد أن عمي بالطائف سنة ثمان وستين، وهو ابن إحدى وسبعين
سنة، على الصحيح في أيام ابن الزبير، وله في البخاري مائتا حديث وسبعة عشر حديثًا،
( في قوله تعالى) : وللأصيلي عز وجل ( { لا تحرّك به} ) أي القرآن ( { لسانك لتعجل
به} ) ( قال) : ( كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعالج من التنزيل)
القرآنيّ لثقله عليه ( شدة) بالنصب.
مفعول يعالج،
والجملة في محل نصب خبر كان.
( وكان) عليه
الصلاة والسلام ( مما) أي ربما كان قاله في المصابيح ( يحرّك) زاد في بعض الأصول به
( شفتيه) بالتثنية، أي كثيرًا ما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ذلك.
قاله القاضي
عياض كالسرقسطي، وكان يكثر من ذلك حتى لا ينسى أو لحلاوة الوحي في لسانه.
وقاله الكرماني:
أي كان العلاج ناشئًا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه، أو ما بمعنى من الموصولة،
وأطلقت على من يعقل مجازًا أي وكان ممن يحرك شفتيه، وتعقب بأن الشدّة حاصلة قبل التحريك.
وأجيب بأن الشدة
وإن كانت حاصلة له قبل التحريك إلا أنها لم تظهر إلا بتحرك الشفتين، إذ هي أمر باطنيّ
لا يدركه الرائي إلا به قال سعيد بن جبير: ( فقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما:
( فأنا أحرّكهما) أي شفتيّ ( لكم) كذا للأربعة وفي بعض النسخ كما في اليونينية.
( كما كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحركهما) لم يقل كما قال في الآتي كما رأيت
ابن عباس لأن ابن عباس لم يدرك ذلك.
( وقال سعيد)
هو ابن جبير ( أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرّك شفتيه) ، وإنما قال ابن
جبير كما رأيت ابن عباس لأنه رأى ذلك منه من غير نزاع بخلاف ابن عباس، فإنه لم ير النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة لسبق نزول آية القيامة على مولده،
إذ كان قبل الهجرة بثلاث سنين ونزول الآية في بدء الوحي كما هو ظاهر صنيع المؤلف، حيث
أورده هنا، ويحتمل أن يكون أخبره أحد من الصحابة أنه رآه عليه الصلاة والسلام يحركهما،
أو أنه عليه الصلاة والسلام أخبر ابن عباس بذلك بعد، فرآه ابن عباس حينئذ، نعم ورد
ذلك صريحًا في مسند أبي داود الطيالسي، ولفظه قال ابن عباس: فأنا أحرّك لك شفتيّ كما
رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحركهما، وجملة فقال ابن عباس
إلى قوله فأنزل الله اعتراض بالفاء وفائدتها زيادة البيان بالوصف على القول.
وهذا الحديث
يسمى المسلسل بتحريك الشفة لكنه لم يتصل تسلسله، ثم عطف على قوله كان يعالج قوله:
( فأنزل الله تعالى) ، ولأبوي ذر والوقت: عز وجل ( لا تحرك) يا محمد ( به) أي بالقرآن
( لسانك) قبل أن يتم وحيه، ( لتعجل به) لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت منك.
وعند ابن جرير
من رواية الشعبي عجل به منحبه إياه، ولا تنافي بين محبته إياه والشّدة التي تلحقه في
ذلك، ( إن علينا جمعه وقرآنه) أي قراءته فهو مصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف والأصل
وقراءتك إياه.
وقال الحافظ
ابن حجر: ولا منافاة بين قوله يحرك شفتيه وبين قوله في الآية لا تحرك به لسانك، لأن
تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك
اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق أو الأصل حركة الفم،
وكلّ من الحركتين ناشىء عن ذلك وهو مأخوذ من كلام الكرماني، وتعقبه العيني بأن الملازمة
بين التحريكين ممنوعة على ما لا يخفى، وتحريك الفم مستبعد بل مستحيل لأن الفم اسم لما
يشتمل عليه الشفتان، وعند الإطلاق لا يشتمل على الشفتين ولا على اللسان لا لغة ولا
عرفًا بل هو من باب الاكتفاء والتقدير: فكان مما يحرك به شفتيه ولسانه على حد { سَرَابِيلَ
تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي والبرد، وفي تفسير ابن جرير الطبري كالمؤلف في
تفسير سورة القيامة من طريق جرير عن ابن أبي عائشة: ويحرّك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما.
( قال) ابن عباس
في تفسير جمعه أي ( جمعه) بفتح الميم والعين ( لك صدرك) بالرفع على الفاعلية، كذا في
أكثر الروايات وهي في اليونينية للأربعة أي جمعه الله في صدرك.
وفيه إسناد
الجمع إلى الصدر بالمجاز على حد أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام
للتعليل أو للتبيين، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر جمعه لك صدرك بسكون الميم وضم العين
مصدرًا ورفع راء صدرك فاعل به.
ولكريمة والحموي
مما ليس في اليونينية جمعه لك في صدرك بفتح الجيم وإسكان الميم وزيادة في، وهو يوضح
الأوّل.
وفي رواية أبوي
ذر والوقت وابن عساكر أيضًا مما في الفرع كأصله جمعه له بإسكان الميم، أي جمعه تعالى
للقرآن صدرك.
وللأصيلي وحده
جمعه له في صدر بزيادة في ( و) قال ابن عباس أيضًا في تفسير قرآنه أي ( تقرأه) بفتح
الهمزة في اليونينية.
وقال البيضاوي:
إثبات قرآنه في لسانك وهو تعليل للنهي، ( فإذا قرأناه) بلسان جبريل عليك ( فاتبع قرآنه.
قال) ابن عباس
في تفسيره فاتبع أي ( فاستمع له)
.
ولأبي الوقت
فاتبع قرآنه فاستمع له من باب الافتعال المقتضي للسعي في ذلك، أي لا تكون قراءتك مع
قراءته بل تابعة لها متأخرة عنها.
( وأنصت) بهمزة
القطع مفتوحة من أنصت ينصت إنصاتًا، وقد تكسر من نصت ينصت نصتًا إذا سكت.
واستمع للحديث،
أي تكون حال قراءته ساكتًا.
والاستماع أخص
من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات كما مرّ السكوت، ولا يلزم من السكوت الإصغاء.
( ثم إن علينا
بيانه) فسره ابن عباس بقوله: ( ثم إن علينا أن تقرأه) .
وفسره غيره
ببيان ما أشكل عليك من معانيه.
قال: وهو دليل
على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، أي لكن لا عن وقت الحاجة اهـ.
وهو الصحيح
عند الأصوليين ونص عليه الشافعي لما تقتضيه ثم من التراخي، وأوّل من استدل لذلك بهذه
الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه، وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى،
وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له بظهوره على لسانه فلا.
قال الآمدي:
يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل.
يقال: بان الكوكب
إذا ظهر.
قال: ويؤيد
ذلك أن المراد جميع القرآن، والمجمل إنما هو بعضه ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور
دون بعض.
وقال أبو الحسين
البصري: يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي فلا
يتم الاستدلال.
وتعقب باحتمال
إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك لأن قوله بيانه جنس مضاف، فيعم جميع أصنافه
من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وهذه الآية
كقوله تعالى في سورة طه: { وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ
وَحْيُه} [طه: 114] فنهاه عن الاستعجال في تلقي الوحي من الملك ومساوقته في القرآن
حتى يتم وحيه.
( فكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك إذا أتاه جبريل) ملك الوحي المفضل به
على سائر الملائكة ( استمع فإذا انطلق جبريل) عليه السلام ( قرأه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قرأ) ولغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر قرأه بضمير المفعول
أي القرآن، ولأبي ذر عن الكشميهني كما كان قرأ، والحاصل أن الحالة الأولى جمعه في صدره،
والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاحه.
ورواة هذا الحديث
ما بين مكي وكوفيّ وبصريّ وواسطيّ وفيه تابعي عن تابعي وهما موسى بن أبي عائشة عن سعيد
بن جبير، وأخرجه المؤلف في التفسير وفضائل القرآن ومسلم في الصلاة والترمذي وقال: حسن
صحيح.
ولما كان ابتداء
نزول القرآن عليه عليه الصلاة والسلام في رمضان على القول به كنزوله إلى السماء جملة
واحدة فيه شرع المؤلف يذكر حديث تعاهد جبريل له عليهما السلام في رمضان في كل سنة فقال:
باب
عمدة القاري
شرح صحيح البخاري
[5] ( حَدثنَا عَبْدَانِ
قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ ح وَحدثنَا بشر بن مُحَمَّد
قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا يُونُس وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ نَحوه قَالَ أَخْبرنِي
عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَجود النَّاس وَكَانَ أَجودمَا يكون فِي رَمَضَان حِين يلقاه جِبْرِيل وَكَانَ
يلقاه فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان فيدارسه الْقُرْآن فلرسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة) وَجه مُنَاسبَة إِيرَاد هَذَا الحَدِيث
فِي هَذَا الْبَاب هُوَ أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن ابْتِدَاء نزُول الْقُرْآن كَانَ
فِي رَمَضَان فَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يتعاهده فِي كل سنة فيعارضه بِمَا
نزل عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي توفّي فِيهِ عَارضه بِهِ مرَّتَيْنِ كَمَا
ثَبت فِي الصَّحِيح عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن زَوجهَا وَصلى الله على
أَبِيهَا وَكَانَ هَذَا من أَحْكَام الْوَحْي وَالْبَاب فِي الْوَحْي ( بَيَان رِجَاله)
وهم ثَمَانِيَة تقدم مِنْهُم.
ابْن عَبَّاس.
وَالزهْرِيّ.
وَمعمر.
وَيُونُس.
فَبَقيت أَرْبَعَة
الأول عَبْدَانِ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال
الْمُهْملَة وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة بن أبي رواد مَيْمُون وَقيل أَيمن
الْعَتكِي بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَبُو
عبد الرَّحْمَن الْمروزِي مولى الْمُهلب بِفَتْح اللَّام الْمُشَدّدَة ابْن أبي صفرَة
بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة سمع مَالِكًا وَحَمَّاد بن زيد وَغَيرهمَا من الْأَعْلَام
روى عَنهُ الذهلي وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
عَن رجل عَنهُ مَاتَ سنة إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَعشْرين أَو عشْرين وَمِائَتَيْنِ
عَن سِتّ وَسبعين سنة وعبدان لقب جمَاعَة أكبرهم هَذَا وعبدان أَيْضا ابْن بنت عبد
الْعَزِيز بن أبي رواد.
وَقَالَ ابْن طَاهِر إِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك لِأَن كنيته
أَبُو عبد الرَّحْمَن واسْمه عبد الله فَاجْتمع من اسْمه وكنيته عَبْدَانِ.
.
وَقَالَ بعض الشَّارِحين وَهَذَا لَا يَصح بل ذَاك من تَغْيِير
الْعَامَّة للأسامي وكسرهم لَهَا فِي زمن صغر الْمُسَمّى أَو نَحْو ذَلِك كَمَا قَالُوا
فِي عَليّ عَلان وَفِي أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ وَغَيره حمدَان وَفِي وهب بن بَقِيَّة
الوَاسِطِيّ وهبان.
قلت الَّذِي
قَالَه ابْن طَاهِر هُوَ الْأَوْجه لِأَن عَبْدَانِ تَثْنِيَة عبد وَلما كَانَ أول
اسْمه عبد وَأول كنيته عبد قيل عَبْدَانِ الثَّانِي عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
بن وَاضح الْحَنْظَلِي التَّمِيمِي مَوْلَاهُم الْمروزِي الإِمَام الْمُتَّفق على جلالته
وإمامته وورعه وسخائه وعبادته الثِّقَة الْحجَّة الثبت وَهُوَ من تَابِعِيّ التَّابِعين
وَكَانَ أَبوهُ تركيا مَمْلُوكا لرجل من هَمدَان وَأمه خوارزمية ولد سنة ثَمَان عشرَة
وَمِائَة وَمَات فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بهيت فِي الْعرَاق منصرفا من
الْغَزْو.
وهيت بِكَسْر
الْهَاء وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق مَدِينَة على شاطىء الْفُرَات سميت بذلك لِأَنَّهَا
فِي هوة وَعبد الله بن الْمُبَارك هَذَا من أَفْرَاد الْكتب السِّتَّة لَيْسَ فِيهَا
من يُسمى بِهَذَا الِاسْم نعم فِي الروَاة غَيره خَمْسَة أحدهم بغدادي حدث عَن همام
الثَّانِي خراساني وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ الثَّالِث شيخ روى عَنهُ الْأَثْرَم الرَّابِع
جوهري روى عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ الْخَامِس بزار.
روى عَنهُ سهل
البُخَارِيّ الثَّالِث بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة الساكنة
ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْمروزِي السّخْتِيَانِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ مُنْفَردا
بِهِ عَن بَاقِي الْكتب السِّتَّة هُنَا وَفِي التَّوْحِيد وَفِي الصَّلَاة وَغَيرهَا
ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته.
وَقَالَ كَانَ مرجئا مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
الرَّابِع عبيد الله بِلَفْظ التصغير فِي عبد بن عبد الله بن عتبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مَسْعُود بن
غافل بالغين الْمُعْجَمَة ابْن حبيب بن شمخ بن فار بِالْفَاءِ وَتَخْفِيف الرَّاء بن
مَخْزُوم ابْن طاهلة بن كَاهِل بِكَسْر الْهَاء بن الْحَرْث بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل
بن مدركة بن الياس بن مُضر الْهُذلِيّ الْمدنِي الإِمَام الْجَلِيل التَّابِعِيّ أحد
الْفُقَهَاء السَّبْعَة سمع خلقا من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأَبُو
هُرَيْرَة وَعنهُ جمع من التَّابِعين وَهُوَ معلم عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ قد ذهب بَصَره توفّي سنة تسع أَو ثَمَان أَو خمس أَو أَربع
وَتِسْعين ( بَيَان تعدد الحَدِيث وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ فِي خَمْسَة
مَوَاضِع هُنَا كَمَا ترى.
وَفِي صفة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عَبْدَانِ أَيْضا عَن ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس وَفِي
الصَّوْم عَن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن يحيى بن قزعة عَن
إِبْرَاهِيم وَفِي بَدَأَ الْخلق عَن ابْن مقَاتل عَن عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه مُسلم
فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَرْبَعَة عَن مَنْصُور بن أبي
مُزَاحم وَأبي عمرَان مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي كريب عَن ابْن
الْمُبَارك عَن يُونُس وَعَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر ثَلَاثَتهمْ
عَن الزُّهْرِيّ بِهِ ( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَنه اجْتمع فِيهِ عدَّة مراوزة
ابْن الْمُبَارك وراوياه وَمِنْهَا أَن البُخَارِيّ حدث الحَدِيثهَذَا عَن الشَّيْخَيْنِ
عَبْدَانِ وَبشر كليهمَا عَن عبد الله بن الْمُبَارك وَالشَّيْخ الأول ذكر لعبد الله
شَيخا وَاحِدًا وَهُوَ يُونُس وَالثَّانِي ذكر لَهُ الشَّيْخَيْنِ يُونُس ومعمرا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله وَمعمر نَحوه أَي نَحْو حَدِيث يُونُس نَحوه بِاللَّفْظِ وَعَن معمر
بِالْمَعْنَى وَلأَجل هَذَا زَاد فِيهِ لفظ نَحوه وَمِنْهَا زِيَادَة الْوَاو فِي قَوْله
وَحدثنَا بشر وَهَذَا يُسمى وَاو التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى آخر ويعبر عَنْهَا
غَالِبا بِصُورَة ( ح) مُهْملَة مُفْردَة وَهَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ وَهَذِه الْحَاء كَثِيرَة فِي صَحِيح
مُسلم قَليلَة فِي صَحِيح البُخَارِيّ انْتهى وعادتهم أَنه إِذا كَانَ للْحَدِيث إسنادان
أَو أَكثر كتبُوا عِنْد الِانْتِقَال من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد ذَلِك مُسَمّى ( ح)
أَي حرف الْحَاء فَقيل أَنَّهَا مَأْخُوذَة من التَّحَوُّل لتحوله من إِسْنَاد إِلَى
إِسْنَاد وَأَنه يَقُول القارىء إِذا انْتهى إِلَيْهَا حاء مَقْصُورَة وَيسْتَمر فِي
قِرَاءَة مَا بعده وَفَائِدَته أَن لَا يركب الْإِسْنَاد الثَّانِي مَعَ الْإِسْنَاد
الأول فيجعلا إِسْنَادًا وَاحِدًا وَقيل أَنَّهَا من حَال بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا
حجز لكَونهَا حَالَة بَين الإسنادين وَأَنه لَا يلفظ عِنْد الِانْتِهَاء إِلَيْهَا
بِشَيْء وَقيل أَنَّهَا رمز إِلَى قَوْله الحَدِيث فَأهل الْمغرب يَقُولُونَ إِذا وصلوا
إِلَيْهَا الحَدِيث وَقد كتب جمَاعَة من الْحفاظ موضعهَا ( صَحَّ) فيشعر بِأَنَّهَا
رمز صَحَّ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه سقط متن الْإِسْنَاد الأول ( بَيَان اللُّغَات)
قَوْله أَجود النَّاس هُوَ أفعل التَّفْضِيل من الْجُود وَهُوَ الْعَطاء أَي أعْطى
مَا يَنْبَغِي لمن يَنْبَغِي وَمَعْنَاهُ هُوَ أسخى النَّاس لما كَانَت نَفسه أشرف
النُّفُوس ومزاجه أعدل الأمزجة لَا بُد أَن يكون فعله أحسن الْأَفْعَال وشكله أَمْلَح
الأشكال وخلقه أحسن الْأَخْلَاق فَلَا شكّ بِكَوْنِهِ أَجود وَكَيف لَا وَهُوَ مستغن
عَن الفانيات بالباقيات الصَّالِحَات قَوْله فِي رَمَضَان أَي شهر رَمَضَان قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ
الرمضان مصدر رمض إِذا احْتَرَقَ من الرمضاء فأضيف إِلَيْهِ الشَّهْر وَجعل علما وَمنع
من الصّرْف للتعريف وَالْألف وَالنُّون وسموه بذلك لارتماضهم فِيهِ من حر الْجُوع ومقاساة
شدته قَوْله فيدارسه من المدارسة من بَاب المفاعلة من الدَّرْس وَهُوَ الْقِرَاءَة
على سرعَة وقدرة عَلَيْهِ من درست الْكتاب أدرسه وأدرسه وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة { وَبِمَا
كُنْتُم تدرسون} مِثَال تجلسون درسا ودراسة قَالَ الله تَعَالَى { ودرسوا مَا فِيهِ}
وأدرس الْكتاب قَرَأَهُ مثل درسه وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة { وَبِمَا كُنْتُم تدرسون}
من الإدراس ودرس الْكتب تدريسا شدد للْمُبَالَغَة وَمِنْه مدرس الْمدرسَة والمدارسة
المقارأة وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو ( وليقولوا دارست) أَي قَرَأت على الْيَهُود
وقرأوا عَلَيْك وَهَهُنَا لما كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام يتناوبان فِي قِرَاءَة الْقُرْآن كَمَا هُوَ عَادَة الْقُرَّاء بِأَن يقْرَأ
مثلا هَذَا عشرا وَالْآخر عشرا أَتَى بِلَفْظَة المدارسة أَو أَنَّهُمَا كَانَا يتشاركان
فِي الْقِرَاءَة أَي يقرآن مَعًا وَقد علم أَن بَاب المفاعلة لمشاركة اثْنَيْنِ نَحْو
ضاربت زيدا وخاصمت عمرا قَوْله الرّيح الْمُرْسلَة بِفَتْح السِّين أَي المبعوثة لنفع
النَّاس هَذَا إِذا جعلنَا اللَّام فِي الرّيح للْجِنْس وَأَن جعلناها للْعهد يكون
الْمَعْنى من الرّيح الْمُرْسلَة للرحمة قَالَ تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح
بشرا بَين يَدي رَحمته}
.
وَقَالَ تَعَالَى { والمرسلات عرفا} أَي الرِّيَاح المرسلات
للمعروف على أحد التفاسير ( بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله أَجود النَّاس كَلَام إضافي
مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر كَانَ قَوْله وَكَانَ أَجود مَا يكون يجوز فِي أَجود الرّفْع
وَالنّصب أما الرّفْع فَهُوَ أَكثر الرِّوَايَات وَوَجهه أَن يكون اسْم كَانَ وَخَبره
مَحْذُوف حذفا وَاجِبا لِأَنَّهُ نَحْو قَوْلك أَخطب مَا يكون الْأَمِير قَائِما وَلَفْظَة
مَا مَصْدَرِيَّة أَي أَجود أكوان الرَّسُول.
وَقَوله فِي
رَمَضَان فِي مَحل النصب على الْحَال وَاقع موقع الْخَبَر الَّذِي هُوَ حَاصِل أَو
وَاقع.
وَقَوله حِين
يلقاه حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي حَاصِل الْمُقدر فَهُوَ حَال عَن حَال وَمثلهمَا
يُسمى بالحالين المتداخلتين وَالتَّقْدِير كَانَ أَجود أكوانه حَاصِلا فِي رَمَضَان
حَال الملاقاة وَوجه آخر أَن يكون فِي كَانَ ضمير الشان وأجود مَا يكون أَيْضا كَلَام
إضافي مُبْتَدأ وَخَبره فِي رَمَضَان وَالتَّقْدِير كَانَ الشَّأْن أَجود أكوان رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان أَي حَاصِل فِي رَمَضَان عِنْد الملاقاة
وَوجه آخر أَن يكون الْوَقْت فِيهِ مُقَدرا كَمَا فِي مقدم الْحَاج وَالتَّقْدِير كَانَ
أَجود أَوْقَات كَونه وَقت كَونه فِي رَمَضَان وَإسْنَاد الْجُود إِلَى أوقاته صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على سَبِيل الْمُبَالغَة كأسناد الصَّوْم إِلَى النَّهَار فِي
نَحْو نَهَاره صَائِم وَأما النصب فَهُوَ رِوَايَة الْأصيلِيّ وَوَجهه أَن يكون خبر
كَانَ وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يلْزم من ذَلِك أَن يكون خَبَرهَا هُوَ اسْمهَا.
وَأجَاب بَعضهم
عَن ذَلِك بِأَن يَجْعَل اسْمكَانَ ضمير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجود خَبَرهَا
وَالتَّقْدِير وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدَّة كَونه فِي رَمَضَان
أَجود مِنْهُ فِي غَيره.
قلت هَذَا لَا
يَصح لِأَن كَانَ إِذا كَانَ فِيهِ ضمير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَصح
أَن يكون أَجود خَبرا لَكَانَ لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الْكَوْن وَلَا يخبر بِكَوْن
عَمَّا لَيْسَ بِكَوْن فَيجب أَن يَجْعَل مُبْتَدأ وَخَبره فِي رَمَضَان وَالْجُمْلَة
خبر كَانَ وَإِن استتر فِيهِ ضمير الشَّأْن فَظَاهر فَافْهَم.
.
وَقَالَ النَّوَوِيّ الرّفْع أشهر وَيجوز فِيهِ النصب.
قلت من جملَة
مؤكدات الرّفْع وُرُوده بِدُونِ كَانَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي بَاب الصَّوْم قَوْله
وَكَانَ يلقاه قَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل كَون الضَّمِير الْمَرْفُوع لجبريل عَلَيْهِ
السَّلَام والمنصوب للرسول وَبِالْعَكْسِ قلت الرَّاجِح أَن يكون الضَّمِير الْمَرْفُوع
لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام بِقَرِينَة قَوْله حِين يلقاه جِبْرِيل قَوْله فيدارسه عطف
على قَوْله يلقاه.
وَقَوله الْقُرْآن
بِالنّصب لِأَنَّهُ الْمَفْعُول الثَّانِي للمدارسة إِذْ الْفِعْل الْمُتَعَدِّي إِذا
نقل إِلَى بَاب المفاعلة يصير مُتَعَدِّيا إِلَى اثْنَيْنِ نَحْو جاذبته الثَّوْب قَوْله
فلرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله أَجود وَاللَّام فِيهِ
مَفْتُوحَة لِأَنَّهُ لَام الِابْتِدَاء زيد على الْمُبْتَدَأ للتَّأْكِيد ( الأسئلة
والأجوبة) مِنْهَا مَا قيل أَن هَهُنَا أَربع جمل فَمَا الْجِهَة الجامعة بَينهَا وَأجِيب
بِأَن الْمُنَاسبَة بَين الْجمل الثَّلَاث وَهِي قَوْله كَانَ أَجود النَّاس.
وَكَانَ أَجود
مَا يكون فِي رَمَضَان.
وفلرسول الله.
الخ ظَاهِرَة
لِأَنَّهُ أَشَارَ بِالْجُمْلَةِ الأولى إِلَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود
النَّاس مُطلقًا وَأَشَارَ بِالثَّانِيَةِ إِلَى أَن جوده فِي رَمَضَان يفضل على جوده
فِي سَائِر أوقاته وَأَشَارَ بالثالثة إِلَى أَن جوده فِي عُمُوم النَّفْع والإسراع
فِيهِ كَالرِّيحِ الْمُرْسلَة وَشبه عُمُومه وَسُرْعَة وُصُوله إِلَى النَّاس بِالرِّيحِ
المنتشرة وشتان مَا بَين الْأَمريْنِ فَإِن أَحدهمَا يحيي الْقلب بعد مَوته وَالْآخر
يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَأما الْمُنَاسبَة بَين الْجُمْلَة الرَّابِعَة وَهِي قَوْله
وَكَانَ يلقاه فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان فيدارسه الْقُرْآن وَبَين الْجُمْلَة الْبَاقِيَة
فَهِيَ أَن جوده الَّذِي فِي رَمَضَان الَّذِي فضل على جوده فِي غَيره إِنَّمَا كَانَ
بأمرين أَحدهمَا بِكَوْنِهِ فِي رَمَضَان وَالْآخر بملاقاته جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام ومدارسته مَعَه الْقُرْآن وَلما كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي صدد بَيَان أَقسَام جوده على سَبِيل تَفْضِيل بعضه على بعض أَشَارَ فِيهِ إِلَى
بَيَان السَّبَب الْمُوجب لَا على جوده وَهُوَ كَونه فِي رَمَضَان وملاقاته جِبْرِيل
فَإِن قلت مَا وَجه كَون هذَيْن الْأَمريْنِ سَببا مُوجبا لأعلى جوده صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
قلت أما رَمَضَان
فَإِنَّهُ شهر عَظِيم وَفِيه الصَّوْم وَفِيه لَيْلَة الْقدر وَهُوَ من أشرف الْعِبَادَات
فَلذَلِك قَالَ الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ فَلَا جرم يتضاعف ثَوَاب الصَّدَقَة وَالْخَيْر
فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَات وَعَن هَذَا قَالَ الزُّهْرِيّ تَسْبِيحَة فِي رَمَضَان
خير من سبعين فِي غَيره وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث إِنَّه يعْتق فِيهِ كل لَيْلَة ألف
ألف عَتيق من النَّار.
وَأما ملاقاة
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن فِيهَا زِيَادَة ترقيه فِي المقامات وَزِيَادَة
اطِّلَاعه على عُلُوم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَلَا سِيمَا
عِنْد مدارسته الْقُرْآن مَعَه مَعَ نُزُوله إِلَيْهِ فِي كل لَيْلَة وَلم ينزل إِلَى
غَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا نزل إِلَيْهِ فَهَذَا
كُله من الْفَيْض الإلهي الَّذِي فتح لي فِي هَذَا الْمقَام الَّذِي لم يفتح لغيري
من الشُّرَّاح فَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَمِنْهَا مَا قيل مَا الْحِكْمَة فِي مدارسته
الْقُرْآن فِي رَمَضَان.
وَأجِيب بِأَنَّهَا
كَانَت لتجديد الْعَهْد وَالْيَقِين.
وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفَائِدَة درس جِبْرِيل عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام تَعْلِيم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتجويد لَفظه وَتَصْحِيح
إِخْرَاج الْحُرُوف من مخارجها وليكون سنة فِي هَذِه الْأمة كتجويد التلامذة على الشُّيُوخ
قراءتهم وَأما تَخْصِيصه رَمَضَان فلكونه موسم الْخيرَات لِأَن نعم الله تَعَالَى على
عباده فِيهِ زَائِدَة على غَيره وَقيل الْحِكْمَة فِي المدارسة أَن الله تَعَالَى ضمن
لنَبيه أَن لَا ينساه فأقره بهَا وَخص بذلك رَمَضَان لِأَن الله تَعَالَى أنزل الْقُرْآن
فِيهِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا جملَة من اللَّوْح الْمَحْفُوظ ثمَّ نزل بعد ذَلِك على
حسب الْأَسْبَاب فِي عشْرين سنة.
وَقيل نزلت
صحف إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أول لَيْلَة مِنْهُ.
والتوراة لست
وَالْإِنْجِيل لثلاث عشرَة وَالْقُرْآن لأَرْبَع وَعشْرين وَمِنْهَا مَا قيل الْمَفْهُوم
مِنْهُ أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ ينزل على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان وَهَذَا يُعَارضهُ مَا رُوِيَ فِي صَحِيح
مُسلم فِي كل سنة فِي رَمَضَان حَتَّى يَنْسَلِخ.
وَأجِيب بِأَن
الْمَحْفُوظ فِي مُسلم أَيْضا مثل مَا فِي البُخَارِيّ وَلَئِن سلمنَا صِحَة الرِّوَايَة
الْمَذْكُورَة فَلَا تعَارض لِأَن مَعْنَاهُ بِمَعْنى الأول لِأَن قَوْله حَتَّى يَنْسَلِخ
بِمَعْنى كل لَيْلَة ( بَيَان استنباط الْفَوَائِد) مِنْهَا الْحَث على الْجُود والأفضال
فِي كل الْأَوْقَات وَالزِّيَادَة مِنْهَا فِي رَمَضَان وَعند الِاجْتِمَاعبالصالحين
وَمِنْهَا زِيَارَة الصلحاء وَأهل الْفضل ومجالستهم وتكرير زيارتهم ومواصلتها إِذا
كَانَ المزور لَا يكره ذَلِك وَمِنْهَا اسْتِحْبَاب استكثار الْقِرَاءَة فِي رَمَضَان
وَمِنْهَا اسْتِحْبَاب مدارسة الْقُرْآن وَغَيره من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَمِنْهَا
أَنه لَا بَأْس بِأَن يُقَال رَمَضَان من غير ذكر شهر على الصَّحِيح على مَا يَأْتِي
الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَمِنْهَا أَن
الْقِرَاءَة أفضل من التَّسْبِيح وَسَائِر الْأَذْكَار إِذْ لَو كَانَ الذّكر أفضل
أَو مُسَاوِيا لفعلاه دَائِما أَو فِي أَوْقَات مَعَ تكَرر اجْتِمَاعهمَا.
فَإِن قلت الْمَقْصُود
تجويد الْحِفْظ.
قلت أَن الْحِفْظ
كَانَ حَاصِلا وَالزِّيَادَة فِيهِ تحصل بِبَعْض هَذِه الْمجَالِس