بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله
عليه وسلم بني الإسلام على خمس وهو قول وفعل ويزيد وينقص قال الله تعالى ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وزدناهم هدى
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم وقوله ويزداد
الذين آمنوا إيمانا وقوله أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم
إيمانا وقوله جل ذكره فاخشوهم فزادهم إيمانا وقوله تعالى
وما زادهم إلا إيمانا وتسليما والحب
في الله والبغض في الله من الإيمان وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي إن للإيمان
فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل
الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص وقال
إبراهيم صلى الله عليه وسلم ولكن ليطمئن قلبي وقال معاذ بن جبل اجلس بنا نؤمن ساعة وقال ابن مسعود
اليقين الإيمان كله وقال ابن عمر لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر
وقال مجاهد شرع لكم من الدين أوصيناك يا محمد
وإياه دينا واحدا وقال ابن عباس شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة
. دعاؤكم إيمانكم لقوله - ص 12 - عز وجل قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان
8
حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة
بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ
وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ وَقَوْلُهُ
وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا
وَقَوْلُهُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ
إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ
مِنْ الْإِيمَانِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ
إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا
اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ
فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا وَإِنْ أَمُتْ فَمَا
أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ
سَاعَةً وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ
لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ
أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا سَبِيلًا وَسُنَّةً . دُعَاؤُكُمْ
إِيمَانُكُمْ لِقَوْلِهِ - ص 12 - عَزَّ
وَجَلَّ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا
دُعَاؤُكُمْ وَمَعْنَى الدُّعَاءِ فِي اللُّغَةِ
الْإِيمَانُ
8
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا
حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ
Telah menceritakan kepada kami Abdullah bin Musa dia berkata, telah mengabarkan kepada kami Hanzhalah bin Abu Sufyan dari 'Ikrimah bin Khalid dari Ibnu Umar berkata: Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Islam dibangun diatas lima (landasan); persaksian tidak ada ilah selain Allah dan sesungguhnya Muhammad utusan Allah, mendirikan shalat, menunaikan zakat, haji dan puasa Ramadlan".
Terjemahan Hadith
الشروح
- ص 60 - كِتَابُ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ :
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابُ الْإِيمَانِ ) هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ
مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هَذَا كِتَابُ الْإِيمَانِ . وَكِتَابُ : مَصْدَرٌ ، يُقَالُ
كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَابَةً وَكِتَابًا ، وَمَادَّةُ كَتَبَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ
وَالضَّمِّ ، وَمِنْهَا الْكَتِيبَةُ وَالْكِتَابَةُ ، اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِيمَا
يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ الْجَامِعَةِ لِلْمَسَائِلِ ، وَالضَّمُّ
فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَكْتُوبِ مِنَ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ
إِلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ ، وَالْبَابُ مَوْضُوعُهُ الْمَدْخَلُ
فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي مَجَازٌ ، وَالْإِيمَانُ لُغَةً التَّصْدِيقُ ، وَشَرْعًا
تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ . ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ مَزِيدُ أَمْرٍ
مِنْ جِهَةِ إِبْدَاءِ هَذَا التَّصْدِيقِ بِاللِّسَانِ الْمُعَبِّرِ عَمَّا فِي الْقَلْبِ
إِذِ التَّصْدِيقُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ ؟ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ بِمَا صَدَّقَ
بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْتَهَيَاتِ كَمَا سَيَأْتِي
ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - ص 61 - تَعَالَى
. وَالْإِيمَانُ فِيمَا قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَبَايُنِ
مَدْلُولِي الْأَمْنِ وَالتَّصْدِيقِ ، إِلَّا إِنْ لُوحِظَ فِيهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ
فَيُقَالُ أَمِنَهُ إِذَا صَدَّقَهُ أَيْ أَمِنَهُ التَّكْذِيبَ . وَلَمْ يَسْتَفْتِحِ
الْمُصَنِّفُ بَدْءَ الْوَحْيِ بِكِتَابٍ ; لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ لَا تُسْتَفْتَحُ
بِمَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ غَيْرُهَا ; لِأَنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا
بَعْدَهَا ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى كِتَابٍ
أَوْ تَأْخِيرِهَا وَلِكُلٍّ وَجْهٌ ، الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ ، وَوَجْهُ الثَّانِي وَعَلَيْهِ
أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ قَائِمَةً مَقَامَ تَسْمِيَةِ
السُّورَةِ ، وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ كَالْآيَاتِ مُسْتَفْتَحَةٌ
بِالْبَسْمَلَةِ .
قَوْلُهُ :
( بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُنِيَ الْإِسْلَامُ
عَلَى خَمْسٍ ) ، سَقَطَ لَفْظُ " بَابُ " مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ
، وَقَدْ وُصِلَ الْحَدِيثُ بَعْدُ تَامًّا ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى طَرَفِهِ فِيهِ
تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ وَالْمُرَادُ بَابُ هَذَا الْحَدِيثِ .
قَوْلُهُ :
( وَهُوَ ) أَيِ : الْإِيمَانُ - قَوْلٌ وَفِعْلٌ
وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ - ( قَوْلٌ وَفِعْلٌ
وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ ) وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " قَوْلٌ وَعَمَلٌ
" وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ الَّذِينَ أَطْلَقُوا ذَلِكَ ،
وَوَهِمَ ابْنُ التِّينِ فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ إِلَى آخِرِهِ مَرْفُوعٌ لَمَّا
رَآهُ مَعْطُوفًا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَرَدَ
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ . وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ
قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ . فَأَمَّا الْقَوْلُ
فَالْمُرَادُ بِهِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَالْمُرَادُ
بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ ، لِيَدْخُلَ الِاعْتِقَادُ
وَالْعِبَادَاتُ . وَمُرَادُ مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَمَنْ
نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَالسَّلَفُ
قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ
وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي كَمَالِهِ . وَمِنْ هُنَا نَشَأَ
ثَمَّ الْقَوْلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالْمُرْجِئَةُ
قَالُوا : هُوَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ فَقَطْ . وَالْكَرَّامِيَّةُ قَالُوا : هُوَ نُطْقٌ
فَقَطْ . وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا : هُوَ الْعَمَلُ وَالنُّطْقُ وَالِاعْتِقَادُ
وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَالَ شَرْطًا
فِي صِحَّتِهِ وَالسَّلَفُ جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ . وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا
قُلْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى
مَا عِنْدَنَا فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ ، فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ
عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ
اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ ، فَإِنْ كَانَ
الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَالْفِسْقِ فَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ
فَبِالنَّظَرِ إِلَى إِقْرَارِهِ ، وَمَنْ نُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ
إِلَى كَمَالِهِ ، وَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ
فَعَلَ فِعْلَ الْكَافِرِ ، وَمَنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى حَقِيقَتِهِ .
وَأَثْبَتَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ الْوَاسِطَةَ فَقَالُوا : الْفَاسِقُ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ
. وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي فَذَهَبَ السَّلَفُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ
وَيَنْقُصُ . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالُوا مَتَى قِيلَ
ذَلِكَ كَانَ شَكًّا . قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ : وَالْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ
أَنَّ التَّصْدِيقَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ
، وَلِهَذَا كَانَ إِيمَانُ الصِّدِّيقِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا
يَعْتَرِيهِ الشُّبْهَةُ . وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي
قَلْبِهِ يَتَفَاضَلُ ، حَتَّى إِنَّهُ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْإِيمَانُ
أَعْظَمَ يَقِينًا وَإِخْلَاصًا وَتَوَكُّلًا مِنْهُ فِي بَعْضِهَا ، وَكَذَلِكَ فِي
التَّصْدِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ وَكَثْرَتِهَا . وَقَدْ
نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ " تَعْظِيمُ قَدْرِ
الصَّلَاةِ " عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَمَا نُقِلَ
عَنِ السَّلَفِ صَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمْ
، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي عَصْرِهِمْ . وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ
اللَّالِكَائِيُّ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْةِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ
، وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ
أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ
فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ . - ص 62 - وَأَطْنَبَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَاللَّالِكَائِيُّ
فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَحَكَاهُ
فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَوَكِيعٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَقَالَ
الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ
وَعَمَلٌ ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ . وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ
مِنَ الْحِلْيَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرَّبِيعِ وَزَادَ : يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ
وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ . ثُمَّ تَلَا
وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا
الْآيَةَ . ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ
مُصَرِّحَةٍ بِالزِّيَادَةِ ، وَبِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ الْمُقَابِلُ ، فَإِنَّ كُلَّ
قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ قَابِلٌ لِلنُّقْصَانِ ضَرُورَةً .
قَوْلُهُ :
وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
وَلَفْظُهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ . وَلَفْظُ أَبِي أُمَامَةَ " مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى
لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ " . وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ
بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ " وَنَصَحَ
لِلَّهِ " وَزَادَ فِي أُخْرَى "
وَيُعْمِلُ لِسَانَهُ فِي ذِكْرِ اللَّهِ
" وَلَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بِلَفْظِ " لَا يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى
يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ
" وَلَفْظُ الْبَزَّارِ رَفَعَهُ " أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ
وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ " وَسَيَأْتِي
عِنْدَ الْمُصَنِّفِ " آيَةُ الْإِيمَانِ
حُبُّ الْأَنْصَارِ " وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ
عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ; لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ يَتَفَاوَتَانِ .
قَوْلُهُ :
( وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ ) أَيِ ابْنِ
عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ ، وَكَانَ
عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْجَزِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ
، وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ
قَالَ : حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ
" . . . إِلَخْ .
قَوْلُهُ :
( إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ ) كَذَا ثَبَتَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ
، وَفَرَائِضَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ إِنَّ ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ
" فَإِنَّ الْإِيمَانَ فَرَائِضُ " عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمُ إِنَّ
وَفَرَائِضُ خَبَرُهَا ، وَبِالْأَوَّلِ جَاءَ الْمَوْصُولُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ .
قَوْلُهُ :
( فَرَائِضَ ) أَيْ : أَعْمَالًا مَفْرُوضَةً ، ( وَشَرَائِعَ ) أَيْ : عَقَائِدَ دِينِيَّةً
، ( وَحُدُودًا ) أَيْ : مَنْهِيَّاتٍ مَمْنُوعَةً ، ( وَسُنَنًا ) أَيْ : مَنْدُوبَاتٍ .
قَوْلُهُ :
( فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا ) أَيْ : أُبَيِّنُ تَفَارِيعَهَا لَا أُصُولَهَا
; لِأَنَّ أُصُولَهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُمْ جُمْلَةً ، عَلَى تَجْوِيزِ تَأْخِيرِ
الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِذِ الْحَاجَةُ هُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ . وَالْغَرَضُ
مِنْ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ
الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ حَيْثُ قَالَ : اسْتُدِلَّ وَلَمْ يُسْتَدَلَّ . قَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : وَهَذَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى فَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ
. قُلْتُ : لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَمَنِ
اسْتَكْمَلَهَا " أَيِ الْفَرَائِضَ وَمَا مَعَهَا " فَقَدِ اسْتَكْمَلَ
الْإِيمَانَ " . وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ . فَالْمُرَادُ أَنَّهَا
مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ
إِيمَانًا .
قَوْلُهُ :
( وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أَشَارَ
إِلَى تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا لِهَذِهِ الْآيَةِ
، فَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ إِلَى سَعِيدٍ قَالَ : قَوْلُهُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أَيْ : يَزْدَادَ يَقِينِي . - ص 63 - وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : لِأَزْدَادَ
إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
- مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ
مِلَّتِهِ - كَانَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- ذَلِكَ . وَإِنَّمَا فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ الْآيَاتِ
الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ بِالنَّصِّ وَمِنْ هَذِهِ
بِالْإِشَارَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ
.
قَوْلُهُ :
( وَقَالَ مُعَاذٌ ) هُوَ ابْنُ جَبَلٍ ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصِيلِيُّ ، وَالتَّعْلِيقُ
الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الْأَسْوَدِ
بْنِ هِلَالٍ قَالَ : قَالَ لِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ " اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ
سَاعَةً " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِلرَّجُلِ
مِنْ إِخْوَانِهِ : اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً ، فَيَجْلِسَانِ فَيَذْكُرَانِ
اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَانِهِ . وَعُرِفَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْوَدَ
أَبْهَمَ نَفْسَهُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ قَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ
. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ
لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَأَيُّ مُؤْمِنٍ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ
أَنَّهُ يَزْدَادُ إِيمَانًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : لَا تَعَلُّقَ فِيهِ لِلزِّيَادَةِ ; لِأَنَّ مُعَاذًا
إِنَّمَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُؤْمِنُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ
فَرْضًا ، ثُمَّ يَكُونُ أَبَدًا مُجَدِّدًا كُلَّمَا نَظَرَ أَوْ فَكَّرَ ، وَمَا
نَفَاهُ أَوَّلًا أَثْبَتَهُ آخِرًا ; لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْإِيمَانِ إِيمَانٌ .
قَوْلُهُ :
( وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ ) هَذَا التَّعْلِيقُ
طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وَبَقِيَّتُهُ : وَالصَّبْرُ
نِصْفُ الْإِيمَانِ . وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ
فِي الزُّهْدِ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا ، وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ . وَجَرَى الْمُصَنِّفُ
عَلَى عَادَتِهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يَدُلُّ بِالْإِشَارَةِ ، وَحَذْفِ مَا
يَدُلُّ بِالصَّرَاحَةِ ، إِذْ لَفْظُ النِّصْفِ صَرِيحٌ فِي التَّجْزِئَةِ . وَفِي
الْإِيمَانِ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا
" وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ
الْمُصَنِّفُ لِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ
.
( تَنْبِيهٌ
) : تَعَلَّقَ بِهَذَا الْأَثَرِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ
التَّصْدِيقِ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ أَصْلُ
الْإِيمَانِ ، فَإِذَا أَيْقَنَ الْقَلْبُ انْبَعَثَتِ الْجَوَارِحُ كُلُّهَا لِلِقَاءِ
اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، حَتَّى قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لَوْ
أَنَّ الْيَقِينَ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يَنْبَغِي لَطَارَ اشْتِيَاقًا إِلَى
الْجَنَّةِ وَهَرَبًا مِنَ النَّارِ
.
قَوْلُهُ :
( وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِلَخْ ) الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى وِقَايَةُ النَّفْسِ عَنِ
الشِّرْكِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ
. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ . وَقَوْلُهُ " حَاكَ
" بِالْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ الْخَفِيفَةِ أَيْ : تَرَدَّدَ ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ
إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ كُنْهَ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتَهُ ، وَبَعْضَهُمْ
لَمْ يَبْلُغْ . وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
النَّوَّاسِ مَرْفُوعًا ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ ، وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ
مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَكُونُ الرَّجُلُ
مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ " وَلَيْسَ فِيهَا بِشَيْءٍ عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ
، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الْآنَ مَوْصُولًا .
وَقَدْ أَخْرَجَ
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّقْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ
" تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ حَتَّى تَتْرُكَ مَا تَرَى أَنَّهُ
حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا " .
قَوْلُهُ :
( وَقَالَ مُجَاهِدٌ ) وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ
، وَالْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
هُوَ شَرْعُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ
.
( تَنْبِيهٌ
) : قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ : وَقَعَ فِي أَصْلِ الصَّحِيحِ فِي
جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ هَذَا - ص 64 - تَصْحِيفٌ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِبَيَانِهِ
، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ : وَقَالَ مُجَاهِدٌ : شَرَعَ لَكُمْ أَوْصَيْنَاكَ يَا
مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا . وَالصَّوَابُ أَوْصَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَنْبِيَاءَهُ
. كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنُ
الْمُنْذِرِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ . وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ ، وَكَيْفَ يُفْرِدُ
مُجَاهِدٌ الضَّمِيرَ لِنُوحٍ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ فِي السِّيَاقِ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ
، انْتَهَى .
وَلَا مَانِعَ
مِنَ الْإِفْرَادِ فِي التَّفْسِيرِ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ بِالْجَمْعِ عَلَى
إِرَادَةِ الْمُخَاطَبِ وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ ، وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ لَا يَمْتَنِعُ
; لِأَنَّ نُوحًا أُفْرِدَ فِي الْآيَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنِ التَّصْحِيفُ ، وَغَايَةُ
مَا ذُكِرَ مِنْ مَجِيءِ التَّفَاسِيرِ بِخِلَافِ لَفْظِهِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا
عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَعْنَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ بِهَذِهِ
الْآيَةِ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ - إِلَى قَوْلِهِ - دِينُ الْقَيِّمَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَحَجَّ
مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ . أَخْرَجَهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ .
قَوْلُهُ :
( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ) وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . وَالْمِنْهَاجُ السَّبِيلُ : أَيِ : الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ ، وَالشِّرْعَةُ
وَالشَّرِيعَةُ بِمَعْنًى ، وَقَدْ شَرَعَ أَيْ : سَنَّ ، فَعَلَى هَذَا فِيهِ لَفٌّ
وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ
.
فَإِنْ قِيلَ
: هَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الِاتِّحَادِ ، أُجِيبَ
بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ
، وَهَذَا فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ النَّسْخُ .
قَوْلُهُ :
( دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ
هُنَا بَابٌ ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ بِحَذْفِهِ ، وَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُ
بَابِ هُنَا إِذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ هُنَا . قُلْتُ : ثَبَتَ بَابٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الرِّوَايَاتِ الْمُتَّصِلَةِ ، مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ
، لَكِنْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : إِنَّهُ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ عَلَى
الْفَرَبْرِيِّ بِحَذْفِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ
. مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ كَعَادَتِهِ فِي حَذْفِ
أَدَاةِ الْعَطْفِ حَيْثُ يُنْقَلُ التَّفْسِيرُ ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ
قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ قَالَ يَقُولُ : لَوْلَا إِيمَانُكُمْ . أَخْبَرَ
اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِهِمْ ، وَلَوْلَا إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ
لَمْ يَعْبَأْ بِهِمْ أَيْضًا . وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّعَاءَ
عَمَلٌ وَقَدْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ أَنَّ الْإِيمَانَ
عَمَلٌ ، وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ غَيْرُهُ : الدُّعَاءُ
هَذَا مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَالْمُرَادُ دُعَاءُ الرُّسُلِ الْخَلْقَ
إِلَى الْإِيمَانِ ، فَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ إِلَّا أَنْ
يَدْعُوَكُمُ الرَّسُولُ فَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ وَيَكْفُرُ مَنْ كَفَرَ ، فَقَدْ كَذَّبْتُمْ
أَنْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ الْعَذَابُ لَازِمًا لَكُمْ . وَقِيلَ : مَعْنَى الدُّعَاءِ
هُنَا الطَّاعَةُ . وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ " أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ
جَيِّدٍ .
- ص 65 - قَوْلُهُ : ( حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ ) هُوَ قُرَشِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ ذُرِّيَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ
، وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
الْمَخْزُومِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي طَبَقَتِهِ عِكْرِمَةُ
بْنُ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَهُوَ
ضَعِيفٌ ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ ، نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْتِبَاسِهِ
، وَيَفْتَرِقَانِ بِشُيُوخِهِمَا ، وَلَمْ يُرْوَ الضَّعِيفُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ .
زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ
خَالِدٍ يُحَدِّثُ طَاوُسًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَلَا
تَغْزُو ؟ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ . . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
( فَائِدَةٌ
) : اسْمُ الرَّجُلِ السَّائِلِ حَكِيمٌ ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ .
قَوْلُهُ :
( عَلَى خَمْسٍ ) أَيْ : دَعَائِمَ . وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ
. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْسَةٍ أَيْ : أَرْكَانٍ . فَإِنْ قِيلَ الْأَرْبَعَةُ
الْمَذْكُورَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذْ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا
بَعْدَ وُجُودِهَا فَكَيْفَ يُضَمُّ مَبْنِيٌّ إِلَى مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي مُسَمًّى
وَاحِدٍ ؟ أُجِيبَ بِجَوَازِ ابْتِنَاءِ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ يَنْبَنِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ
أَمْرٌ آخَرُ . فَإِنْ قِيلَ : الْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ
عَلَيْهِ ، أُجِيبَ : بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ غَيْرٌ مِنْ حَيْثُ الِانْفِرَادِ ، عَيْنٌ
مِنْ حَيْثُ الْجَمْعِ . وَمِثَالُهُ الْبَيْتُ مِنِ الشِّعْرِ يُجْعَلُ عَلَى خَمْسَةِ
أَعْمِدَةٍ أَحَدُهَا أَوْسَطُ وَالْبَقِيَّةُ أَرْكَانٌ ، فَمَا دَامَ الْأَوْسَطُ
قَائِمًا فَمُسَمَّى الْبَيْتِ مَوْجُودٌ وَلَوْ سَقَطَ مَهْمَا سَقَطَ مِنَ الْأَرْكَانِ
، فَإِذَا سَقَطَ الْأَوْسَطُ سَقَطَ مُسَمَّى الْبَيْتِ ، فَالْبَيْتُ بِالنَّظَرِ
إِلَى مَجْمُوعِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَفْرَادِهِ أَشْيَاءُ . وَأَيْضًا
فَبِالنَّظَرِ إِلَى أُسِّهِ وَأَرْكَانِهِ ، الْأُسُّ أَصْلٌ ، وَالْأَرْكَانُ تَبَعٌ
وَتَكْمِلَةٌ .
( تَنْبِيهَاتٌ
) : أَحَدُهَا : لَمْ يُذْكَرِ الْجِهَادَ ; لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ
إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ جَوَابَ السَّائِلِ
، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي آخِرِهِ : وَإِنَّ الْجِهَادَ مِنَ
الْعَمَلِ الْحَسَنِ . وَأَغْرَبَ ابْنُ بَطَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ
كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ هُوَ
خَطَأٌ ; لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، وَبَدْرٌ كَانَتْ
فِي رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ
بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَجُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ .
ثَانِيهَا
: قَوْلُهُ " شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَمَا بَعْدَهَا
مَخْفُوضٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَمْسٍ ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ
، وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . أَوْ عَلَى حَذْفِ
الْمُبْتَدَأِ ، وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
. فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَذْكُرِ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ
ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ سُؤَالُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ
الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ ، فَيَسْتَلْزِمُ
جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ . وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ
: هُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ كَمَا تَقُولُ : قَرَأْتُ الْحَمْدَ
وَتُرِيدُ جَمِيعَ الْفَاتِحَةِ ، وَكَذَا تَقُولُ مَثَلًا : شَهِدْتُ بِرِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ وَتُرِيدُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثَالِثُهَا
: الْمُرَادُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا أَوْ مُطْلَقُ الْإِتْيَانِ
بِهَا ، وَالْمُرَادُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَلَى
وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
رَابِعُهَا
: اشْتَرَطَ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ تَقَدُّمَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ
عَلَى الرِّسَالَةِ ، وَلَمْ يُتَابَعْ ، مَعَ أَنَّهُ إِذَا دُقِّقَ فِيهِ بَانَ وَجْهُهُ
، وَيَزْدَادُ اتِّجَاهًا إِذَا فَرَّقَهُمَا ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
خَامِسُهَا
: يُسْتَفَادُ مِنْهُ تَخْصِيصُ عُمُومِ مَفْهُومِ السُّنَّةِ بِخُصُوصِ مَنْطُوقِ
الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي صِحَّةَ إِسْلَامِ مَنْ بَاشَرَ
مَا ذُكِرَ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ، وَهَذَا
الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا
بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ عَلَى مَا تَقَرَّرَ
فِي مَوْضِعِهِ .
سَادِسُهَا
: وَقَعَ هُنَا تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ ، وَعَلَيْهِ بَنَى الْبُخَارِيُّ
تَرْتِيبَهُ ، لَكِنْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ ، قَالَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَالْحَجُّ وَصِيَامُ رَمَضَانَ
، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا ، صِيَامُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ ، هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . ، انْتَهَى . فَفِي هَذَا - ص 66 - إِشْعَارٌ بِأَنَّ رِوَايَةَ حَنْظَلَةَ
الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى ، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ
رَدَّ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الرَّجُلِ لِتَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ ، أَوْ حَضَرَ ذَلِكَ
ثُمَّ نَسِيَهُ . وَيَبْعُدُ مَا جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعَهُ
مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَنَسِيَ
أَحَدَهُمَا عِنْدَ رَدِّهِ عَلَى الرَّجُلِ ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ تَطَرُّقَ النِّسْيَانِ
إِلَى الرَّاوِي عَنِ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الصَّحَابِيِّ
، كَيْفَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ
عَلَى الْحَجِّ ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ - مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَنْظَلَةَ - أَنَّهُ
جَعَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ قَبْلُ ، فَتَنْوِيعُهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى
. وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِتَقْدِيمِ الصِّيَامِ
عَلَى الزَّكَاةِ ، أَفَيُقَالُ إِنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
؟ هَذَا مُسْتَبْعَدٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَائِدَةٌ
) : اسْمُ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ ، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ
الْبَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .