* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق
{ الۤمۤ } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }
أما تفسير { الم } فقد تقدم في سورة البقرة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ أبو بكر عن عاصم { الم، ٱللَّهُ } بسكون الميم، ونصب همزة: الله، والباقون موصولاً بفتح الميم، أما قراءة عاصم فلها وجهان الأول: نية الوقف ثم إظهار الهمزة لأجل الابتداء والثاني: أن يكون ذلك على لغة من يقطع ألف الوصل، فمن فصل وأظهر الهمزة فللتفخيم والتعظيم، وأما من نصب الميم ففيه قولان:
القول الأول: وهو قول الفراء واختيار كثير من البصريين أن أسماء الحروف موقوفة الأواخر، يقول: ألف، لام، ميم، كما تقول: واحد، إثنان، ثلاثة، وعلى هذا التقدير وجب الابتداء بقوله: الله، فإذا ابتدأنا به نثبت الهمزة متحركة، إلا أنهم أسقطوا الهمزة للتخفيف، ثم ألقيت حركتها على الميم لتدل حركتها على أنها في حكم المبقاة بسبب كون هذه اللفظة مبتدأ بها.
فإن قيل: إن كان التقدير فصل إحدى الكلمتين عن الأخرى امتنع إسقاط الهمزة، وإن كان التقدير هو الوصل امتنع بقاء الهمزة مع حركتها، وإذا امتنع بقاؤها امتنعت حركتها، وامتنع إلقاء حركتها على الميم.
قلنا: لم لا يجوز أن يكون ساقطاً بصورته باقياً بمعناه فأبقيت حركتها لتدل على بقائها في المعنى هذا تمام تقرير قول الفرّاء.
والقول الثاني: قول سيبويه، وهو أن السبب في حركة الميم التقاء الساكنين، وهذا القول رده كثير من الناس، وفيه دقة ولطف، والكلام في تلخيصه طويل.
وأقول: فيه بحثان أحدهما: سبب أصل الحركة، والثاني: كون تلك الحركة فتحةً.
أما البحث الأول: فهو بناء على مقدمات:
المقدمة الأولى: أن الساكنين إذا اجتمعا فإن كان السابق منهما حرفاً من حروف المد واللين لم يجب التحريك، لأنه يسهل النطق بمثل هذين الساكنين، كقولك: هذا إبراهيم وإسحاق ويعقوب موقوفة الأواخر، أما إذا لم يكن كذلك وجب التحريك لأنه لا يسهل النطق بمثل هذين، لأنه لا يمكن النطق إلا بالحركة.
المقدمة الثانية: مذهب سيبويه أن حرف التعريف هي اللام، وهي ساكنة، والساكن لا يمكن الابتداء به فقدموا عليها همزة الوصل وحركوها ليتوصلوا بها إلى النطق باللام، فعلى هذا إن وجدوا قبل لام التعريف حرفاً آخر فإن كان متحركاً توصلوا به إلى النطق بهذه اللام الساكنة وإن كان ساكناً حركوه وتوصلوا به إلى النطق بهذه اللام، وعلى هذا التقدير يحصل الاستغناء عن همزة الوصل لأن الحاجة إليها أن يتوصل بحركتها إلى النطق باللام، فإذا حصل حرف آخر توصلوا بحركته إلى النطق بهذه اللام، فتحذف هذه الهمزة صورة ومعنى، حقيقة وحكماً، وإذا كان كذلك امتنع أن يقال: ألقيت حركتها على الميم لتدل تلك الحركة على كونها باقية حكماً، لأن هذا إنما يصار إليه حيث يتعلق بوجوده حكم من الأحكام، أو أثر من الآثار، لكنا بينا أنه ليس الأمر كذلك فعلمنا أن تلك الهمزة سقطت بذاتها وبآثارها سقوطاً كلياً، وبهذا يبطل قول الفرّاء.
المسألة الأولى: قرأ أبو بكر عن عاصم { الم، ٱللَّهُ } بسكون الميم، ونصب همزة: الله، والباقون موصولاً بفتح الميم، أما قراءة عاصم فلها وجهان الأول: نية الوقف ثم إظهار الهمزة لأجل الابتداء والثاني: أن يكون ذلك على لغة من يقطع ألف الوصل، فمن فصل وأظهر الهمزة فللتفخيم والتعظيم، وأما من نصب الميم ففيه قولان:
القول الأول: وهو قول الفراء واختيار كثير من البصريين أن أسماء الحروف موقوفة الأواخر، يقول: ألف، لام، ميم، كما تقول: واحد، إثنان، ثلاثة، وعلى هذا التقدير وجب الابتداء بقوله: الله، فإذا ابتدأنا به نثبت الهمزة متحركة، إلا أنهم أسقطوا الهمزة للتخفيف، ثم ألقيت حركتها على الميم لتدل حركتها على أنها في حكم المبقاة بسبب كون هذه اللفظة مبتدأ بها.
فإن قيل: إن كان التقدير فصل إحدى الكلمتين عن الأخرى امتنع إسقاط الهمزة، وإن كان التقدير هو الوصل امتنع بقاء الهمزة مع حركتها، وإذا امتنع بقاؤها امتنعت حركتها، وامتنع إلقاء حركتها على الميم.
قلنا: لم لا يجوز أن يكون ساقطاً بصورته باقياً بمعناه فأبقيت حركتها لتدل على بقائها في المعنى هذا تمام تقرير قول الفرّاء.
والقول الثاني: قول سيبويه، وهو أن السبب في حركة الميم التقاء الساكنين، وهذا القول رده كثير من الناس، وفيه دقة ولطف، والكلام في تلخيصه طويل.
وأقول: فيه بحثان أحدهما: سبب أصل الحركة، والثاني: كون تلك الحركة فتحةً.
أما البحث الأول: فهو بناء على مقدمات:
المقدمة الأولى: أن الساكنين إذا اجتمعا فإن كان السابق منهما حرفاً من حروف المد واللين لم يجب التحريك، لأنه يسهل النطق بمثل هذين الساكنين، كقولك: هذا إبراهيم وإسحاق ويعقوب موقوفة الأواخر، أما إذا لم يكن كذلك وجب التحريك لأنه لا يسهل النطق بمثل هذين، لأنه لا يمكن النطق إلا بالحركة.
المقدمة الثانية: مذهب سيبويه أن حرف التعريف هي اللام، وهي ساكنة، والساكن لا يمكن الابتداء به فقدموا عليها همزة الوصل وحركوها ليتوصلوا بها إلى النطق باللام، فعلى هذا إن وجدوا قبل لام التعريف حرفاً آخر فإن كان متحركاً توصلوا به إلى النطق بهذه اللام الساكنة وإن كان ساكناً حركوه وتوصلوا به إلى النطق بهذه اللام، وعلى هذا التقدير يحصل الاستغناء عن همزة الوصل لأن الحاجة إليها أن يتوصل بحركتها إلى النطق باللام، فإذا حصل حرف آخر توصلوا بحركته إلى النطق بهذه اللام، فتحذف هذه الهمزة صورة ومعنى، حقيقة وحكماً، وإذا كان كذلك امتنع أن يقال: ألقيت حركتها على الميم لتدل تلك الحركة على كونها باقية حكماً، لأن هذا إنما يصار إليه حيث يتعلق بوجوده حكم من الأحكام، أو أثر من الآثار، لكنا بينا أنه ليس الأمر كذلك فعلمنا أن تلك الهمزة سقطت بذاتها وبآثارها سقوطاً كلياً، وبهذا يبطل قول الفرّاء.
المقدمة الثالثة: أسماء هذه الحروف موقوفة الأواخر، وذلك متفق عليه.
إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: الميم من قولنا { الم } ساكن ولام التعريف من قولنا { ٱللَّهُ } ساكن، وقد اجتمعا فوجب تحريك الميم، ولزم سقوط الهمزة بالكلية صورة ومعنى، وصح بهذا البيان قول سيبويه، وبطل قول الفرّاء.
أما البحث الثاني: فلقائل أن يقول: الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر، فلم اختير الفتح ههنا، قال الزجاج في الجواب عنه: الكسر ههنا لا يليق، لأن الميم من قولنا { الم } مسبوقة بالياء فلو جعلت الميم مكسورة لاجتمعت الكسرة مع الياء وذلك ثقيل، فتركت الكسرة واختيرت الفتحة، وطعن أبو علي الفارسي في كلام الزجاج، وقال: ينتقض قوله بقولنا: جير، فإن الراء مكسورة مع أنها مسبوقة بالياء، وهذا الطعن عندي ضعيف، لأن الكسرة حركة فيها بعض الثقل والياء أختها، فإذا اجتمعا عظم الثقل، ثم يحصل الانتقال منه إلى النطق بالألف في قولك { ٱللَّهُ } وهو في غاية الخفة، فيصير اللسان منتقلاً من أثقل الحركات إلى أخف الحركات، والانتقال من الضد إلى الضد دفعة واحدة صعب على اللسان، أما إذا جعلنا الميم مفتوحة، انتقل اللسان من فتحة الميم إلى الألف في قولنا { ٱللَّهُ } فكان النطق به سهلاً، فهذا وجه تقرير قول سيبويه، والله أعلم.
المسألة الثانية: في سبب نزول أول هذه السورة قولان:
القول الأول: وهو قولُ مقاتل بن سليمان: إن بعض أول هذه السورة في اليهود، وقد ذكرناه في تفسير
{ الم، ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ }
[البقرة: 1, 2].
والقول الثاني: من ابتداء السورة إلى آية المُباهلة في النَّصارى، وهو قول محمد بن إسحاق قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وثلاثة منهم كانوا أكابر القوم، أحدهم: أميرهم، واسمه عبد المسيح، والثاني: مشيرهم وذو رأيهم، وكانوا يقولون له: السيد، واسمه الأيهم، والثالث: حبرهم وأسقفهم وصاحب مدراسهم، يقال له أبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل، وملوك الروم كانوا شرفوه ومولوه وأكرموه لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم، فلما قدموا من بحران ركب أبو حارثة بغلته، وكان إلى جنبه أخوه كرز بن علقمة، فبينا بغلة أبي حارثة تسير إذ عثرت، فقال كرز أخوه: تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حارثة: بل تعست أمك، فقال: ولم يا أخي؟ فقال: إنه والله النبي الذي كنا ننتظره، فقال له أخوه كرز: فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا، قال: لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالاً كثيرة وأكرمونا، فلو آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأخذوا منا كل هذه الأشياء، فوقع ذلك في قلب أخيه كرز، وكان يضمره إلى أن أسلم فكان يحدث بذلك، ثم تكلم أولئك الثلاثة: الأمير، والسيد والحبر، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف من أديانهم، فتارة يقولون عيسى هو الله، وتارة يقولون: هو ابن الله، وتارة يقولون: ثالث ثلاثة، ويحتجون لقولهم: هو الله، بأنه كان يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، ويبرىء الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير، ويحتجون في قولهم: إنه ولد الله بأنه لم يكن له أب يعلم، ويحتجون على ثالث ثلاثة بقول الله تعالى: فعلنا وجعلنا، ولو كان واحداً لقال فعلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلموا، فقالوا: قد أسلمنا، فقال صلى الله عليه وسلم كذبتم كيف يصح إسلامكم وأنتم تثبتون لله ولداً، وتعبدون الصليب، وتأكلون الخنزير، قالوا: فمن أبوه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: الميم من قولنا { الم } ساكن ولام التعريف من قولنا { ٱللَّهُ } ساكن، وقد اجتمعا فوجب تحريك الميم، ولزم سقوط الهمزة بالكلية صورة ومعنى، وصح بهذا البيان قول سيبويه، وبطل قول الفرّاء.
أما البحث الثاني: فلقائل أن يقول: الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر، فلم اختير الفتح ههنا، قال الزجاج في الجواب عنه: الكسر ههنا لا يليق، لأن الميم من قولنا { الم } مسبوقة بالياء فلو جعلت الميم مكسورة لاجتمعت الكسرة مع الياء وذلك ثقيل، فتركت الكسرة واختيرت الفتحة، وطعن أبو علي الفارسي في كلام الزجاج، وقال: ينتقض قوله بقولنا: جير، فإن الراء مكسورة مع أنها مسبوقة بالياء، وهذا الطعن عندي ضعيف، لأن الكسرة حركة فيها بعض الثقل والياء أختها، فإذا اجتمعا عظم الثقل، ثم يحصل الانتقال منه إلى النطق بالألف في قولك { ٱللَّهُ } وهو في غاية الخفة، فيصير اللسان منتقلاً من أثقل الحركات إلى أخف الحركات، والانتقال من الضد إلى الضد دفعة واحدة صعب على اللسان، أما إذا جعلنا الميم مفتوحة، انتقل اللسان من فتحة الميم إلى الألف في قولنا { ٱللَّهُ } فكان النطق به سهلاً، فهذا وجه تقرير قول سيبويه، والله أعلم.
المسألة الثانية: في سبب نزول أول هذه السورة قولان:
القول الأول: وهو قولُ مقاتل بن سليمان: إن بعض أول هذه السورة في اليهود، وقد ذكرناه في تفسير
{ الم، ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ }
[البقرة: 1, 2].
والقول الثاني: من ابتداء السورة إلى آية المُباهلة في النَّصارى، وهو قول محمد بن إسحاق قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وثلاثة منهم كانوا أكابر القوم، أحدهم: أميرهم، واسمه عبد المسيح، والثاني: مشيرهم وذو رأيهم، وكانوا يقولون له: السيد، واسمه الأيهم، والثالث: حبرهم وأسقفهم وصاحب مدراسهم، يقال له أبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل، وملوك الروم كانوا شرفوه ومولوه وأكرموه لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم، فلما قدموا من بحران ركب أبو حارثة بغلته، وكان إلى جنبه أخوه كرز بن علقمة، فبينا بغلة أبي حارثة تسير إذ عثرت، فقال كرز أخوه: تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حارثة: بل تعست أمك، فقال: ولم يا أخي؟ فقال: إنه والله النبي الذي كنا ننتظره، فقال له أخوه كرز: فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا، قال: لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالاً كثيرة وأكرمونا، فلو آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأخذوا منا كل هذه الأشياء، فوقع ذلك في قلب أخيه كرز، وكان يضمره إلى أن أسلم فكان يحدث بذلك، ثم تكلم أولئك الثلاثة: الأمير، والسيد والحبر، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف من أديانهم، فتارة يقولون عيسى هو الله، وتارة يقولون: هو ابن الله، وتارة يقولون: ثالث ثلاثة، ويحتجون لقولهم: هو الله، بأنه كان يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، ويبرىء الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير، ويحتجون في قولهم: إنه ولد الله بأنه لم يكن له أب يعلم، ويحتجون على ثالث ثلاثة بقول الله تعالى: فعلنا وجعلنا، ولو كان واحداً لقال فعلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلموا، فقالوا: قد أسلمنا، فقال صلى الله عليه وسلم كذبتم كيف يصح إسلامكم وأنتم تثبتون لله ولداً، وتعبدون الصليب، وتأكلون الخنزير، قالوا: فمن أبوه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يناظر معهم، فقال: ألستم تعلمون أن الله حي لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى، قال ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه، فهل يملك عيسى شيئاً من ذلك؟ قالوا: لا، قال ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهل يعلم عيسى شيئاً من ذلك إلا ما علم؟ قالوا: لا، قال فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، فهل تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث وتعلمون أن عيسى حملته امرأة كحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة، ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب، ويحدث الحدث قالوا: بلى فقال صلى الله عليه وسلم: " فكيف يكون كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً، ثم قالوا: يا محمد ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال: بلى " ، قالوا: فحسبنا فأنزل الله تعالى:
{ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ }
[آل عمران: 7] الآية.
ثم إن الله تعالى أمر محمداً صلى الله عليه وسلم بملاعنتهم إذ ردوا عليه ذلك، فدعاهم رسول الله إلى الملاعنة، فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما تريد أن نفعل، فانصرفوا ثم قال بعض أولئك الثلاثة لبعض: ما ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبياً قط إلا وفى كبيرهم وصغيرهم، وأنه الاستئصال منكم إن فعلتم، وأنتم قد أبيتم إلا دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع نحن على ديننا، فابعث رجلاً من أصحابك معنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضا، فقال عليه السلام: آتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين وكان عمر يقول: ما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فلما صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، وجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يردد بصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه فقال: اخرج معهم واقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة.
{ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ }
[آل عمران: 7] الآية.
ثم إن الله تعالى أمر محمداً صلى الله عليه وسلم بملاعنتهم إذ ردوا عليه ذلك، فدعاهم رسول الله إلى الملاعنة، فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما تريد أن نفعل، فانصرفوا ثم قال بعض أولئك الثلاثة لبعض: ما ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبياً قط إلا وفى كبيرهم وصغيرهم، وأنه الاستئصال منكم إن فعلتم، وأنتم قد أبيتم إلا دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع نحن على ديننا، فابعث رجلاً من أصحابك معنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضا، فقال عليه السلام: آتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين وكان عمر يقول: ما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فلما صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، وجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يردد بصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه فقال: اخرج معهم واقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة.
واعلم أن هذه الرواية دالة على أن المناظرة في تقرير الدين وإزالة الشبهات حرفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن مذهب الحشوية في إنكار البحث والنظر باطل قطعاً، والله أعلم.
المسألة الثالثة: إعلم أن مطلع هذه السورة له نظم لطيف عجيب، وذلك لأن أولئك النصارى الذين نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل لهم: إما أن تنازعوه في معرفة الإلٰه، أو في النبوّة، فإن كان النزاع في معرفة الإلٰه وهو أنكم تثبتون له ولداً وأن محمداً لا يثبت له ولداً فالحق معه بالدلائل العقلية القطعية، فإنه قد ثبت بالبرهان أنه حي قيوم، والحي القيوم يستحيل عقلاً أن يكون له ولد وإن كان النزاع في النبوّة، فهذا أيضاً باطل، لأن بالطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى فهو بعينه قائم في محمد صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا بالمعجزة وهو حاصل ههنا، فكيف يمكن منازعته في صحة النبوّة، فهذا هو وجه النظم وهو مضبوط حسن جداً فلننظر ههنا إلى بحثين.
البحث الأول: ما يتعلق بالإلٰهيات فنقول: إنه تعالى حي قيوم، وكل من كان حياً قيوماً يمتنع أن يكون له ولد، وإنما قلنا: إنه حي قيوم، لأنه واجب الوجود لذاته، وكل ما سواه فإنه ممكن لذاته محدث حصل تكوينه وتخليقه وإيجاده على ما بينا كل ذلك في تفسير قوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } وإذا كان الكل محدثاً مخلوقاً امتنع كون شيء منها ولداً له وإلٰهاً، كما قال:
{ إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ إِلاَّ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }
[مريم: 93] وأيضاً لما ثبت أن الإلٰه يجب أن يكون حياً قيوماً، وثبت أن عيسى ما كان حياً قيوماً لأنه ولد، وكان يأكل ويشرب ويحدث، والنصارى زعموا أنه قتل وما قدر على دفع القتل عن نفسه، فثبت أنه ما كان حياً قيوماً، وذلك يقتضي القطع والجزم بأنه ما كان إلٰهاً، فهذه الكلمة وهي قوله { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } جامعة لجميع وجوه الدلائل على بطلان قول النصارى في التثليث.
المسألة الثالثة: إعلم أن مطلع هذه السورة له نظم لطيف عجيب، وذلك لأن أولئك النصارى الذين نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل لهم: إما أن تنازعوه في معرفة الإلٰه، أو في النبوّة، فإن كان النزاع في معرفة الإلٰه وهو أنكم تثبتون له ولداً وأن محمداً لا يثبت له ولداً فالحق معه بالدلائل العقلية القطعية، فإنه قد ثبت بالبرهان أنه حي قيوم، والحي القيوم يستحيل عقلاً أن يكون له ولد وإن كان النزاع في النبوّة، فهذا أيضاً باطل، لأن بالطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى فهو بعينه قائم في محمد صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا بالمعجزة وهو حاصل ههنا، فكيف يمكن منازعته في صحة النبوّة، فهذا هو وجه النظم وهو مضبوط حسن جداً فلننظر ههنا إلى بحثين.
البحث الأول: ما يتعلق بالإلٰهيات فنقول: إنه تعالى حي قيوم، وكل من كان حياً قيوماً يمتنع أن يكون له ولد، وإنما قلنا: إنه حي قيوم، لأنه واجب الوجود لذاته، وكل ما سواه فإنه ممكن لذاته محدث حصل تكوينه وتخليقه وإيجاده على ما بينا كل ذلك في تفسير قوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } وإذا كان الكل محدثاً مخلوقاً امتنع كون شيء منها ولداً له وإلٰهاً، كما قال:
{ إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ إِلاَّ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }
[مريم: 93] وأيضاً لما ثبت أن الإلٰه يجب أن يكون حياً قيوماً، وثبت أن عيسى ما كان حياً قيوماً لأنه ولد، وكان يأكل ويشرب ويحدث، والنصارى زعموا أنه قتل وما قدر على دفع القتل عن نفسه، فثبت أنه ما كان حياً قيوماً، وذلك يقتضي القطع والجزم بأنه ما كان إلٰهاً، فهذه الكلمة وهي قوله { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } جامعة لجميع وجوه الدلائل على بطلان قول النصارى في التثليث.
وأما البحث الثاني: وهو ما يتعلق بالنبوّة، فقد ذكره الله تعالى ههنا في غاية الحسن ونهاية الجودة، وذلك لأنه قال:
{ نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ }
[آل عمران: 3] وهذا يجري مجرى الدعوى، ثم إنه تعالى أقام الدلالة على صحة هذه الدعوى، فقال: وافقتمونا أيها اليهود والنصارى على أنه تعالى أنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس، فإنما عرفتم أن التوراة والإنجيل كتابان إلٰهيان، لأنه تعالى قرن بإنزالهما المعجزة الدالة على الفرق بين قول المحق وقول المبطل والمعجز لما حصل به الفرق بين الدعوى الصادقة والدعوى الكاذبة كان فرقاً لا محالة، ثم أن الفرقان الذي هو المعجز كما حصل في كون التوراة والإنجيل نازلين من عند الله، فكذلك حصل في كون القرآن نازلاً من عند الله وإذا كان الطريق مشتركاً، فإما أن يكون الواجب تكذيب الكل على ما هو قول البراهمة، أو تصديق الكل على ما هو قول المسلمين، وأما قبول البعض ورد البعض فذلك جهل وتقليد، ثم إنه تعالى لما ذكر ما هو العمدة في معرفة الإلٰه على ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وما هو العمدة في إثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم لم يبق بعد ذلك عذر لمن ينازعه في دينه فلا جرم أردفه بالتهديد والوعيد فقال:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأيَـٰتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ }
[آل عمران: 4] فقد ظهر أنه لا يمكن أن يكون كلام أقرب إلى الضبط، وإلى حسن الترتيب وجودة التأليف من هذا الكلام، والحمد لله على ما هدى هذا المسكين إليه، وله الشكر على نعمه التي لا حد لها ولا حصر.
ولما لخصنا ما هو المقصود الكلي من الكلام فلنرجع إلى تفسير كل واحد من الألفاظ.
أما قوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فهو رد على النصارى لأنهم كانوا يقولون بعبادة عيسى عليه السلام فبيّن الله تعالى أن أحداً لا يستحق العبادة سواه.
ثم أتبع ذلك بما يجري مجرى الدلالة عليه فقال: { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } فأما الحي فهو الفعال الدراك وأما القيوم فهو القائم بذاته، والقائم بتدبير الخلق والمصالح لما يحتاجون إليه في معاشهم، من الليل والنهار، والحر والبرد، والرياح والأمطار، والنعم التي لا يقدر عليها سواه، ولا يحصيها غيره، كما قال تعالى:
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
[إبراهيم: 34] وقرأ عمر رضي الله عنه { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } قال قتادة، الحي الذي لا يموت، والقيوم القائم على خلقه بأعمالهم، وآجالهم، وأرزاقهم، وعن سعيد بن جبير: الحي قبل كل حي، والقيوم الذي لا ند له، وقد ذكرنا في سورة البقرة أن قولنا: الحي القيوم محيط بجميع الصفات المعتبرة في الإلٰهية، ولما ثبت أن المعبود يجب أن يكون حياً قيوماً ودلّت البديهة والحسن على أن عيسى عليه السلام ما كان حياً قيوماً، وكيف وهم يقولون بأنه قتل وأظهر الجزع من الموت. علمنا قطعاً أن عيسى ما كان إلٰهاً، ولا ولداً للإلٰه تعالى وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
{ نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ }
[آل عمران: 3] وهذا يجري مجرى الدعوى، ثم إنه تعالى أقام الدلالة على صحة هذه الدعوى، فقال: وافقتمونا أيها اليهود والنصارى على أنه تعالى أنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس، فإنما عرفتم أن التوراة والإنجيل كتابان إلٰهيان، لأنه تعالى قرن بإنزالهما المعجزة الدالة على الفرق بين قول المحق وقول المبطل والمعجز لما حصل به الفرق بين الدعوى الصادقة والدعوى الكاذبة كان فرقاً لا محالة، ثم أن الفرقان الذي هو المعجز كما حصل في كون التوراة والإنجيل نازلين من عند الله، فكذلك حصل في كون القرآن نازلاً من عند الله وإذا كان الطريق مشتركاً، فإما أن يكون الواجب تكذيب الكل على ما هو قول البراهمة، أو تصديق الكل على ما هو قول المسلمين، وأما قبول البعض ورد البعض فذلك جهل وتقليد، ثم إنه تعالى لما ذكر ما هو العمدة في معرفة الإلٰه على ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وما هو العمدة في إثبات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم لم يبق بعد ذلك عذر لمن ينازعه في دينه فلا جرم أردفه بالتهديد والوعيد فقال:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأيَـٰتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ }
[آل عمران: 4] فقد ظهر أنه لا يمكن أن يكون كلام أقرب إلى الضبط، وإلى حسن الترتيب وجودة التأليف من هذا الكلام، والحمد لله على ما هدى هذا المسكين إليه، وله الشكر على نعمه التي لا حد لها ولا حصر.
ولما لخصنا ما هو المقصود الكلي من الكلام فلنرجع إلى تفسير كل واحد من الألفاظ.
أما قوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فهو رد على النصارى لأنهم كانوا يقولون بعبادة عيسى عليه السلام فبيّن الله تعالى أن أحداً لا يستحق العبادة سواه.
ثم أتبع ذلك بما يجري مجرى الدلالة عليه فقال: { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } فأما الحي فهو الفعال الدراك وأما القيوم فهو القائم بذاته، والقائم بتدبير الخلق والمصالح لما يحتاجون إليه في معاشهم، من الليل والنهار، والحر والبرد، والرياح والأمطار، والنعم التي لا يقدر عليها سواه، ولا يحصيها غيره، كما قال تعالى:
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
[إبراهيم: 34] وقرأ عمر رضي الله عنه { ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } قال قتادة، الحي الذي لا يموت، والقيوم القائم على خلقه بأعمالهم، وآجالهم، وأرزاقهم، وعن سعيد بن جبير: الحي قبل كل حي، والقيوم الذي لا ند له، وقد ذكرنا في سورة البقرة أن قولنا: الحي القيوم محيط بجميع الصفات المعتبرة في الإلٰهية، ولما ثبت أن المعبود يجب أن يكون حياً قيوماً ودلّت البديهة والحسن على أن عيسى عليه السلام ما كان حياً قيوماً، وكيف وهم يقولون بأنه قتل وأظهر الجزع من الموت. علمنا قطعاً أن عيسى ما كان إلٰهاً، ولا ولداً للإلٰه تعالى وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً.