* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق
{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } * { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }
قوله تعالىٰ: { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } اقترحوا هذا أيضاً. و «لولا» بمعنى هَلاَّ. { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } قال ٱبن عباس: لو رأوا الملك على صورته لماتوا إذ لا يطيقون رؤيته. مجاهد وعِكْرمة: لقامت الساعة. قال الحسن وقَتَادة: لأُهلِكوا بعذاب الاستئصال؛ لأن الله أجرى سنّته بأن من طلب آية فأظهرت له فلم يؤمن أهلكه الله في الحال { ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي لا يُمهَلون ولا يؤخرون.
قوله تعالىٰ: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } أي لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلاَّ بعد التجسم بالأجسام الكثيفة؛ لأن كل جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه؛ فلو جعل الله تعالىٰ الرسول إلى البشر ملكاً لنفروا من مقاربته، ولما أنسوا به، ولداخلهم من الرعب من كلامه والإتقاء له ما يَكفُّهم عن كلامه، ويمنعهم عن سؤاله، فلا تَعمّ المصلحة؛ ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا: لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم. وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة البشر فأتوا إبراهيم ولوطاً في صورة الآدميين، وأتى جبرائيل النبيّ عليهما الصَّلاة والسَّلام في صورة دِحْية الكَلْبيّ. أي لو نزل ملك لرَأوه في صورة رجل كما جرت عادة الأنبياء، ولو نزل على عادته لم يروه؛ فإذا جعلناه رجلاً ٱلتبس عليهم فكانوا يقولون: هذا ساحر مثلك. وقال الزّجاج: المعنى { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم } أي على رؤسائهم كما يلْبِسون على ضَعفتهم، وكانوا يقولون لهم: إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق، فيلبسون عليهم بهذا ويُشكِّكونهم؛ فأعلمهم الله عزّ وجلّ أنه لو أنزل مَلِكاً في صورة رجل لوجدوا سبيلاً إلى اللَّبْس كما يفعلون.واللَّبْس الخلْط؛ يُقال: لَبَست عليه الأمر ألْبِسه لَبْساً أي خَلَطته؛ وأصله التّستر بالثوب ونحوه. وقال: «لَبَسْنَا» بالإضافة إلى نفسه على جهة الخلق، وقال: { مَّا يَلْبِسُونَ } فأضاف إليهم على جهة الإكتساب. ثم قال مؤنساً لنبيه عليه الصَّلاة والسَّلام ومُعزِّياً: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ } أي نزل بأُممهم من العذاب ما أُهلكوا به جزاء ٱستهزائهم بأنبيائهم. حاق بالشيء يَحيق حَيْقاً وحُيُوقاً وحَيَقاناً نزل؛ قال الله تعالىٰ:
{ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ }
[فاطر: 43] و «ما» في قوله: { مَّا كَانُواْ } بمعنى الذي، وقيل: بمعنى المصدر: أي حاق بهم عاقبة ٱستهزائهم.
قوله تعالىٰ: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } أي لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلاَّ بعد التجسم بالأجسام الكثيفة؛ لأن كل جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه؛ فلو جعل الله تعالىٰ الرسول إلى البشر ملكاً لنفروا من مقاربته، ولما أنسوا به، ولداخلهم من الرعب من كلامه والإتقاء له ما يَكفُّهم عن كلامه، ويمنعهم عن سؤاله، فلا تَعمّ المصلحة؛ ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا: لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم. وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة البشر فأتوا إبراهيم ولوطاً في صورة الآدميين، وأتى جبرائيل النبيّ عليهما الصَّلاة والسَّلام في صورة دِحْية الكَلْبيّ. أي لو نزل ملك لرَأوه في صورة رجل كما جرت عادة الأنبياء، ولو نزل على عادته لم يروه؛ فإذا جعلناه رجلاً ٱلتبس عليهم فكانوا يقولون: هذا ساحر مثلك. وقال الزّجاج: المعنى { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم } أي على رؤسائهم كما يلْبِسون على ضَعفتهم، وكانوا يقولون لهم: إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق، فيلبسون عليهم بهذا ويُشكِّكونهم؛ فأعلمهم الله عزّ وجلّ أنه لو أنزل مَلِكاً في صورة رجل لوجدوا سبيلاً إلى اللَّبْس كما يفعلون.واللَّبْس الخلْط؛ يُقال: لَبَست عليه الأمر ألْبِسه لَبْساً أي خَلَطته؛ وأصله التّستر بالثوب ونحوه. وقال: «لَبَسْنَا» بالإضافة إلى نفسه على جهة الخلق، وقال: { مَّا يَلْبِسُونَ } فأضاف إليهم على جهة الإكتساب. ثم قال مؤنساً لنبيه عليه الصَّلاة والسَّلام ومُعزِّياً: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ } أي نزل بأُممهم من العذاب ما أُهلكوا به جزاء ٱستهزائهم بأنبيائهم. حاق بالشيء يَحيق حَيْقاً وحُيُوقاً وحَيَقاناً نزل؛ قال الله تعالىٰ:
{ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ }
[فاطر: 43] و «ما» في قوله: { مَّا كَانُواْ } بمعنى الذي، وقيل: بمعنى المصدر: أي حاق بهم عاقبة ٱستهزائهم.