Saturday, 22 August 2015

سورة الأنعام آية 0011 - 00774 ت - تفسير القرآن الكريم - تفسير ابن كثير



* تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 

{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } * { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

يقول تعالى مخبراً عن كفر المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق، ومباهتتهم ومنازعتهم فيه: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } أي: عاينوه، ورأوا نزوله، وباشروا ذلك، { لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } وهذا كما قال تعالى مخبراً عن مكابرتهم للمحسوسات:
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }
[الحجر:14-15] وكقوله تعالى:
وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ }
[الطور: 44] { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أي: ليكون معه نذيراً، قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي: لو نزلت الملائكة على ما هم عليه، لجاءهم من الله العذاب، كما قال الله تعالى:
مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ }
[الحجر: 8] وقوله:
يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ }
[الفرقان: 22] الآية. وقوله تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَـٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } أي: ولو أنزلنا مع الرسول البشري ملكاً، أي لو بعثنا إلى البشر رسولاً ملكياً، لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر، كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري، كقوله تعالى:
قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلَـٰئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولاً }
[الإسراء: 95] فمن رحمته تعالى بخلقه، أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلاً منهم، ليدعو بعضهم بعضاً، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض، في المخاطبة والسؤال، كما قال تعالى:
لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ }
[آل عمران: 164] الآية، قال الضحاك عن ابن عباس في الآية يقول: لو أتاهم ملك، ما أتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور، { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون، وقال الوالبي عنه: ولشبهنا عليهم. وقوله: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِيءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة، في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى: { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أي: فكروا في أنفسكم، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية، الذين كذبوا رسله، وعاندوهم، من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا، مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة، وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين.