* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق
{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن المقصود من تقرير هذه الآية تقرير إثبات الصانع، وتقرير المعاد وتقرير النبوّة.وبيانه أن أحوال العالم العلوي والسفلي يدل على أن جميع هذه الأجسام موصوفة بصفات كان يجوز عليها اتصافها بأضدادها ومقابلاتها، ومتى كان كذلك، فاختصاص كل جزء من الأجزاء الجسمانية بصفته المعينة لا بدّ وأن يكون لأجل أن الصانع الحكيم القادر المختار خصّه بتلك الصفة المعينة، فهذا يدل على أن العالم مع كل ما فيه مملوك لله تعالى.
وإذا ثبت هذا، ثبت كونه قادراً على الاعادة والحشر والنشر، لأن التركيب الأول إنما حصل لكونه تعالى قادراً على كل الممكنات، عالماً بكل المعلومات، وهذه القدرة والعلم يمتنع زوالهما، فوجب صحة الاعادة ثانياً. وأيضاً ثبت أنه تعالى ملك مطاع، والملك المطاع من له الأمر والنهي على عبيده، ولا بد من مبلغ، وذلك يدل على أن بعثة الأنبياء والرسل من الله تعالى إلى الخلق غير ممتنع. فثبت أن هذه الآية وافية بإثبات هذه المطالب الثلاثة. ولما سبق ذكر هذه المسائل الثلاثة، ذكر الله بعدها هذه الآية لتكون مقررة لمجموع تلك المطالب من الوجه الذي شرحناه والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله تعالى: { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } سؤال. وقوله { قُل لِلَّهِ } جواب فقد أمره الله تعالى بالسؤال أولاً ثم بالجواب ثانياً. وهذا، إنما يحسن في الموضع الذي يكون الجواب قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا يقدر على دفعه دافع. ولما بينا أن آثار الحدوث والإمكان ظاهرة في ذوات جميع الأجسام وفي جميع صفاتها، لا جرم كان الاعتراف بأنها بأسرها ملك لله تعالى وملك له ومحل تصرفه وقدرته لا جرم أمره بالسؤال أولاً ثم بالجواب ثانياً، ليدل ذلك على أن الاقرار بهذا المعنى مما لا سبيل إلى دفعه البتة. وأيضاً فالقوم كانوا معترفين بأن كل العالم ملك لله، وملكه وتحت تصرفه وقهره وقدرته بهذا المعنى كما قال:
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }
[لقمان: 25] ثم إنه تعالى لما بيّن بهذا الطريق كممال إلٰهيته وقدرته ونفاذ تصرفه في عالم المخلوقات بالكلية، أردفه بكمال رحمته وإحسانه إلى الخلق فقال: { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } فكأنه تعالى قال: إنه لم يرض من نفسه بأن لا ينعم ولا بأن يعد بالإنعام، بل أبداً ينعم وأبداً يعد في المستقبل بالإنعام ومع ذلك فقد كتب على نفسه ذلك وأوجبه إيجاب الفضل والكرم. واختلفوا في المراد بهذه الرحمة فقال بعضهم: تلك الرحمة هي أنه تعالى يمهلهم مدة عمرهم ويرفع عنهم عذاب الاستئصال ولا يعاجلهم بالعقوبة في الدنيا.
المسألة الأولى: اعلم أن المقصود من تقرير هذه الآية تقرير إثبات الصانع، وتقرير المعاد وتقرير النبوّة.وبيانه أن أحوال العالم العلوي والسفلي يدل على أن جميع هذه الأجسام موصوفة بصفات كان يجوز عليها اتصافها بأضدادها ومقابلاتها، ومتى كان كذلك، فاختصاص كل جزء من الأجزاء الجسمانية بصفته المعينة لا بدّ وأن يكون لأجل أن الصانع الحكيم القادر المختار خصّه بتلك الصفة المعينة، فهذا يدل على أن العالم مع كل ما فيه مملوك لله تعالى.
وإذا ثبت هذا، ثبت كونه قادراً على الاعادة والحشر والنشر، لأن التركيب الأول إنما حصل لكونه تعالى قادراً على كل الممكنات، عالماً بكل المعلومات، وهذه القدرة والعلم يمتنع زوالهما، فوجب صحة الاعادة ثانياً. وأيضاً ثبت أنه تعالى ملك مطاع، والملك المطاع من له الأمر والنهي على عبيده، ولا بد من مبلغ، وذلك يدل على أن بعثة الأنبياء والرسل من الله تعالى إلى الخلق غير ممتنع. فثبت أن هذه الآية وافية بإثبات هذه المطالب الثلاثة. ولما سبق ذكر هذه المسائل الثلاثة، ذكر الله بعدها هذه الآية لتكون مقررة لمجموع تلك المطالب من الوجه الذي شرحناه والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله تعالى: { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } سؤال. وقوله { قُل لِلَّهِ } جواب فقد أمره الله تعالى بالسؤال أولاً ثم بالجواب ثانياً. وهذا، إنما يحسن في الموضع الذي يكون الجواب قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا يقدر على دفعه دافع. ولما بينا أن آثار الحدوث والإمكان ظاهرة في ذوات جميع الأجسام وفي جميع صفاتها، لا جرم كان الاعتراف بأنها بأسرها ملك لله تعالى وملك له ومحل تصرفه وقدرته لا جرم أمره بالسؤال أولاً ثم بالجواب ثانياً، ليدل ذلك على أن الاقرار بهذا المعنى مما لا سبيل إلى دفعه البتة. وأيضاً فالقوم كانوا معترفين بأن كل العالم ملك لله، وملكه وتحت تصرفه وقهره وقدرته بهذا المعنى كما قال:
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }
[لقمان: 25] ثم إنه تعالى لما بيّن بهذا الطريق كممال إلٰهيته وقدرته ونفاذ تصرفه في عالم المخلوقات بالكلية، أردفه بكمال رحمته وإحسانه إلى الخلق فقال: { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } فكأنه تعالى قال: إنه لم يرض من نفسه بأن لا ينعم ولا بأن يعد بالإنعام، بل أبداً ينعم وأبداً يعد في المستقبل بالإنعام ومع ذلك فقد كتب على نفسه ذلك وأوجبه إيجاب الفضل والكرم. واختلفوا في المراد بهذه الرحمة فقال بعضهم: تلك الرحمة هي أنه تعالى يمهلهم مدة عمرهم ويرفع عنهم عذاب الاستئصال ولا يعاجلهم بالعقوبة في الدنيا.
وقيل إن المراد أنه كتب على نفسه الرحمة لمن ترك التكذيب بالرسل وتاب وأناب وصدقهم وقبل شريعتهم.
واعلم أنه جاءت الأخبار الكثيرة في سعة رحمة الله تعالى، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لما فرغ الله من الخلق كتب كتاباً أن رحمتي سبقت غضبي ". فإن قيل: الرحمة هي إرادة الخير، والغضب هو إرادة الانتقام، وظاهر هذا الخبر يقتضي كون إحدى الإرادتين سابقة على الأخرى، والمسبوق بالغير محدث، فهذا يقتضي كون إرادة الله تعالى محدثة.
قلنا: المراد بهذا السبق سبق الكثرة لا سبق الزمان. وعن سلمان أنه تعالى لما خلق السماء والأرض خلق مائة رحمة، كل رحمة ملء ما بين السماء والأرض، فعنده تسع وتسعون رحمة، وقسم رحمة واحدة بين الخلائق، فبها يتعاطفون ويتراحمون، فإذا كان آخر الأمر قصرها على المتقين.
أما قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ففيه أبحاث: الأول: «اللام» في قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } لام قسم مضمر، والتقدير: والله ليجمعنكم.
البحث الثاني: اختلفوا في أن هذا الكلام مبتدأ أو متعلق بما قبله. فقال بعضهم أنه كلام مبتدأ، وذلك لأنه تعالى بيّن كمال إلهيته بقوله { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ قُل لِلَّهِ } ثم بيّن تعالى أنه يرحمهم في الدنيا بالامهال ودفع عذاب الاستئصال، وبيّن أنه يجمعهم إلى يوم القيامة، فقوله { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أنه يمهلهم وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أنه لا يمهلهم بل يحشرهم ويحاسبهم على كل ما فعلوا.
والقول الثاني: أنع متعلق بما قبله والتقدير: كتب ربكم على نفسه الرحمة. وكتب ربكم على نفسه ليجمعنكم إلى يوم القيامة.
وقيل: أنه لما قال: { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } فكأنه قيل: وما تلك الرحمة؟ فقيل: إنه تعالى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } وذلك لأنه لولا خوف العذاب يوم الققيامة لحصل الهرج والمرج ولارتفع الضبط وكثر الخبط، فصار التهديد بيوم القيامة من أعظم أسباب الرحمة في الدنيا، فكان قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كالتفسير لقوله { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ }.
البحث الثالث: أن قوله { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ قُل لِلَّهِ } كلام ورد على لفظ الغيبة. وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كلام ورد على سبيل المخاطبة. والمقصود منه التأكيد في التهديد، كأنه قيل: لما علمتم أن كل ما في السمٰوات والأرض لله وملكه، وقد علمتم أن الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيته ولا يجوز في حكمته أن يسوي بين المطيع والعاصي وبين المشتغل بالخدمة والمعرض عنها، فهلا علمتم أنه يقيم القيامة ويحضر الخلائق ويحاسبهم في الكل؟
البحث الرابع: ان كلمة { إِلَىٰ } في قوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فيها أقوال: الأول: أنها صلة والتقدير: ليجمعنكم يوم القيامة.
واعلم أنه جاءت الأخبار الكثيرة في سعة رحمة الله تعالى، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لما فرغ الله من الخلق كتب كتاباً أن رحمتي سبقت غضبي ". فإن قيل: الرحمة هي إرادة الخير، والغضب هو إرادة الانتقام، وظاهر هذا الخبر يقتضي كون إحدى الإرادتين سابقة على الأخرى، والمسبوق بالغير محدث، فهذا يقتضي كون إرادة الله تعالى محدثة.
قلنا: المراد بهذا السبق سبق الكثرة لا سبق الزمان. وعن سلمان أنه تعالى لما خلق السماء والأرض خلق مائة رحمة، كل رحمة ملء ما بين السماء والأرض، فعنده تسع وتسعون رحمة، وقسم رحمة واحدة بين الخلائق، فبها يتعاطفون ويتراحمون، فإذا كان آخر الأمر قصرها على المتقين.
أما قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ففيه أبحاث: الأول: «اللام» في قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } لام قسم مضمر، والتقدير: والله ليجمعنكم.
البحث الثاني: اختلفوا في أن هذا الكلام مبتدأ أو متعلق بما قبله. فقال بعضهم أنه كلام مبتدأ، وذلك لأنه تعالى بيّن كمال إلهيته بقوله { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ قُل لِلَّهِ } ثم بيّن تعالى أنه يرحمهم في الدنيا بالامهال ودفع عذاب الاستئصال، وبيّن أنه يجمعهم إلى يوم القيامة، فقوله { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أنه يمهلهم وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أنه لا يمهلهم بل يحشرهم ويحاسبهم على كل ما فعلوا.
والقول الثاني: أنع متعلق بما قبله والتقدير: كتب ربكم على نفسه الرحمة. وكتب ربكم على نفسه ليجمعنكم إلى يوم القيامة.
وقيل: أنه لما قال: { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } فكأنه قيل: وما تلك الرحمة؟ فقيل: إنه تعالى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } وذلك لأنه لولا خوف العذاب يوم الققيامة لحصل الهرج والمرج ولارتفع الضبط وكثر الخبط، فصار التهديد بيوم القيامة من أعظم أسباب الرحمة في الدنيا، فكان قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كالتفسير لقوله { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ }.
البحث الثالث: أن قوله { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ قُل لِلَّهِ } كلام ورد على لفظ الغيبة. وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كلام ورد على سبيل المخاطبة. والمقصود منه التأكيد في التهديد، كأنه قيل: لما علمتم أن كل ما في السمٰوات والأرض لله وملكه، وقد علمتم أن الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيته ولا يجوز في حكمته أن يسوي بين المطيع والعاصي وبين المشتغل بالخدمة والمعرض عنها، فهلا علمتم أنه يقيم القيامة ويحضر الخلائق ويحاسبهم في الكل؟
البحث الرابع: ان كلمة { إِلَىٰ } في قوله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } فيها أقوال: الأول: أنها صلة والتقدير: ليجمعنكم يوم القيامة.
وقيل: { إِلَىٰ } بمعنى في أي ليجمعنكم في يوم القيامة.
وقيل: فيه حذف أي ليجمعنكم إلى المحشر في يوم القيامة، لأن الجمع يكون إلى المكان لا إلى الزمان. وقيل: ليجمعنكم في الدنيا بخلقكم قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة.
أما قوله { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ففيه أبحاث: الأول: في هذه الآية قولان: الأول: أن قوله { ٱلَّذِينَ } موضعه نصب على البدل من الضمير في قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } والمعنى ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم وهو قول الأخفش. والثاني: وهو قول الزجاج، أن قوله { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } رفع بالابتداء، وقوله { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } خبره، لأن قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } مشتمل على الكل، على الذين خسروا أنفسهم وعلى غيرهم «والفاء» في قوله { فَهُمْ } يفيد معنى الشرط والجزاء، كقولهم: الذي يكرمني فله درهم، لأن الدرهم وجب بالاكرام فكان الاكرام شرطاً والدرهم جزاء.
فإن قيل: ظاهر اللفظ يدل على أن خسرانهم سبب لعدم إيمانهم، والأمر على العكس.
قلنا: هذا يدل على أن سبق القضاء بالخسران والخذلان، هو الذي حملهم على الامتناع من الايمان، وذلك عين مذهب أهل السنّة.
وقيل: فيه حذف أي ليجمعنكم إلى المحشر في يوم القيامة، لأن الجمع يكون إلى المكان لا إلى الزمان. وقيل: ليجمعنكم في الدنيا بخلقكم قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة.
أما قوله { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ففيه أبحاث: الأول: في هذه الآية قولان: الأول: أن قوله { ٱلَّذِينَ } موضعه نصب على البدل من الضمير في قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } والمعنى ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم وهو قول الأخفش. والثاني: وهو قول الزجاج، أن قوله { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } رفع بالابتداء، وقوله { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } خبره، لأن قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } مشتمل على الكل، على الذين خسروا أنفسهم وعلى غيرهم «والفاء» في قوله { فَهُمْ } يفيد معنى الشرط والجزاء، كقولهم: الذي يكرمني فله درهم، لأن الدرهم وجب بالاكرام فكان الاكرام شرطاً والدرهم جزاء.
فإن قيل: ظاهر اللفظ يدل على أن خسرانهم سبب لعدم إيمانهم، والأمر على العكس.
قلنا: هذا يدل على أن سبق القضاء بالخسران والخذلان، هو الذي حملهم على الامتناع من الايمان، وذلك عين مذهب أهل السنّة.