Saturday, 22 August 2015

سورة الأنعام آية 0013 - 00774 ت - تفسير القرآن الكريم - تفسير ابن كثير



* تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 

{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهن، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة، كما ثبت في الصحيحين، من طريق الأعمش: عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لما خلق الخلق، كتب كتاباً عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي " وقوله: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } هذه اللام هي الموطئة للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة، ليجمعن عباده
إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }
[الواقعة: 50] وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه، أي: لا شك فيه عند عباده المؤمنين، فأما الجاحدون المكذبون، فهم في ريبهم يترددون، وقال ابن مردويه عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عقبة، حدثنا عباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: " والذي نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء،ويبعث الله تعالى سبعين ألف ملك، في أيديهم عصي من نار، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " ، هذا حديث غريب، وفي الترمذي: " إن لكل نبي حوضاً، وأرجو أن أكون أكثرهم وارداً "وقوله: { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } أي: يوم القيامة { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي: لا يصدقون بالمعاد، ولا يخافون شر ذلك اليوم، ثم قال تعالى: { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي: كل دابة في السموات والأرض الجميع عباده وخلقه، وتحت قهره وتصرفه وتدبيره، لا إله إلا هو، { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم؛ ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } كقوله:
قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّىۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَـٰهِلُونَ }
[الزمر:64] والمعنى: لا أتخذ ولياً إلا الله وحده لا شريك له، فإنه فاطر السموات والأرض، أي: خالقهما ومبدعهما، على غير مثال سبق { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } أي: وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم، كما قال تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات: 56] الآية، وقرأ بعضهم ههنا: { وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ } أي: لا يأكل، وفي حديث سهيل بن أبي صالح: عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم على طعام، فانطلقنا معه، فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه، قال:
" الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، ومن علينا فهدانا وأطعمنا، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافئ ولا مكفور، ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وهدانا من الضلال، وبصرنا من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين " { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } أي: من هذه الأمة { ولا تكونن من المشركين قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني: يوم القيامة { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ } أي: العذاب { يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ } يعني: رحمه الله { وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } كقوله:
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
[آل عمران: 185] والفوز حصول الربح، ونفي الخسارة.