* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } * { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }
قوله: { زُيّنَ لِلنَّاسِ } الخ: كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار، والمزين قيل: هو الله سبحانه، وبه قال عمر، كما حكاه عنه البخاري، وغيره، ويؤيد قوله تعالى:
{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ }
[الكهف: 7]. وقيل: المزين هو الشيطان، وبه قال الحسن، حكاه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه. وقرأ الضحاك: «زين» على البناء للفاعل. وقرأه الجمهور على البناء للمفعول. والمراد بالناس: الجنس. والشهوات جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى ما تريده. والمراد هنا: المشتهيات عبر عنها بالشهوات، مبالغة في كونها مرغوباً فيها، أو تحقيراً لها؛ لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية، ووجه تزيين الله سبحانه لها: ابتلاء عباده، كما صرح به في الآية الأخرى. وقوله: { مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ } في محل الحال: أي: زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء، والبنين الخ. وبدأ بالنساء لكثرة تشوّق النفوس إليهنّ؛ لأنهن حبائل الشيطان، وخص البنين دون البنات؛ لعدم الاطراد في محبتهن. والقناطير جمع قنطار، وهو اسم للكثير من المال. قال الزجاج: القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه: تقول العرب قنطرت الشيء: إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة لإحكامها. وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله. واختلفوا في معنى { المقنطرة } ، فقال ابن جرير الطبري: معناها المضعفة، وقال القناطير: ثلاثة، والمقنطرة تسعة. وقال الفراء: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فتكون تسع قناطير، وقيل: المقنطرة: المضروبة، وقيل: المكلمة كما يقال: بدرة مبدرة، وألوف مؤلفة، وبه قال مكي، وحكاه الهروي. وقال ابن كيسان: لا تكون المقنطرة أقلّ من سبع قناطير. وقوله: { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } بيان للقناطير، أو حال { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } قيل: هي المرعية في المروج، والمسارح، يقال سامت الدابة، والشاة: إذا سرحت، وقيل: هي المعدّة للجهاد. وقيل: هي الحسان، وقيل: المعلمة من السومة، وهي العلامة، أي: التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها. وقال ابن فارس في المجمل: المسومة: المرسلة، وعليها ركبانها. وقال ابن كيسان: البلق. والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، فإذا قلت: نعم: فهي الإبل خاصة قاله الفراء، وابن كيسان، ومنه قول حسان:
والحرث: اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به المحروث، يقول حرث الرجل حرثاً: إذا أثار الأرض، فيقع على الأرض، والزرع. قال ابن الأعرابي الحرث: التفتيش. قوله: { ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي: ذلك المذكور ما يتمتع به، ثم يذهب، ولا يبقى، وفيه تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة. و { المآب }: المرجع آب يئوب إياباً: إذا رجع، ومنه قول امريء القيس:
{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ }
[الكهف: 7]. وقيل: المزين هو الشيطان، وبه قال الحسن، حكاه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه. وقرأ الضحاك: «زين» على البناء للفاعل. وقرأه الجمهور على البناء للمفعول. والمراد بالناس: الجنس. والشهوات جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى ما تريده. والمراد هنا: المشتهيات عبر عنها بالشهوات، مبالغة في كونها مرغوباً فيها، أو تحقيراً لها؛ لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية، ووجه تزيين الله سبحانه لها: ابتلاء عباده، كما صرح به في الآية الأخرى. وقوله: { مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ } في محل الحال: أي: زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء، والبنين الخ. وبدأ بالنساء لكثرة تشوّق النفوس إليهنّ؛ لأنهن حبائل الشيطان، وخص البنين دون البنات؛ لعدم الاطراد في محبتهن. والقناطير جمع قنطار، وهو اسم للكثير من المال. قال الزجاج: القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه: تقول العرب قنطرت الشيء: إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة لإحكامها. وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله. واختلفوا في معنى { المقنطرة } ، فقال ابن جرير الطبري: معناها المضعفة، وقال القناطير: ثلاثة، والمقنطرة تسعة. وقال الفراء: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فتكون تسع قناطير، وقيل: المقنطرة: المضروبة، وقيل: المكلمة كما يقال: بدرة مبدرة، وألوف مؤلفة، وبه قال مكي، وحكاه الهروي. وقال ابن كيسان: لا تكون المقنطرة أقلّ من سبع قناطير. وقوله: { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } بيان للقناطير، أو حال { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } قيل: هي المرعية في المروج، والمسارح، يقال سامت الدابة، والشاة: إذا سرحت، وقيل: هي المعدّة للجهاد. وقيل: هي الحسان، وقيل: المعلمة من السومة، وهي العلامة، أي: التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها. وقال ابن فارس في المجمل: المسومة: المرسلة، وعليها ركبانها. وقال ابن كيسان: البلق. والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، فإذا قلت: نعم: فهي الإبل خاصة قاله الفراء، وابن كيسان، ومنه قول حسان:
وَكَانَتْ لا يَزَالُ بِها أنِيس | خِلاَلَ مُروجَهَا نَعمٌ وشَاءُ |
قوله: { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذٰلِكُمْ } أي: هل أخبركم بما هو خير لكم من تلك المستلذات؟ وإبهام الخير للتفخيم، ثم بينه بقوله: { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتٌ } وعند في محل نصب على الحال من جنات، وهي مبتدأ، وخبرها للذين اتقوا، ويجوز أن تتعلق اللام بخير. وجنات خبر مبتدأ مقدّر، أي: هو جنات، وخص المتقين؛ لأنهم المنتفعون بذلك. وقد تقدّم تفسير قوله: { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } وما بعده.
قوله: { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } بدل من قوله: { لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، أو منصوب على المدح، والصابرين، وما بعده نعت للموصول على تقدير كونه بدلاً، أو منصوباً على المدح، وعلى تقدير كونه خبراً يكون الصابرين، وما بعده منصوبة على المدح، وقد تقدّم تفسير الصبر، والصدق، والقنوت. قوله: { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأسْحَارِ } هم: السائلون للمغفرة بالأسحار. وقيل: المصلون. والأسحار جمع سحر بفتح الحاء، وسكونها. قال الزجاج: هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر، وخص الأسحار؛ لأنها من أوقات الإجابة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عمر بن الخطاب، لما نزلت: { زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } قال: الآن يا ربّ حين زينتها لنا، فنزلت: { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ }. وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ " خير " انتهى إلى قوله: { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ } فبكى، وقال: بعد ماذا، بعد ماذا بعد ما زينتها. وأخرج أحمد، وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القنطار اثنا عشر ألف أوقية " رواه أحمد من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد، عن عاصم عن أبي صالح عنه. ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الصمد به. وقد رواه ابن جرير موقوفاً على أبي هريرة. قال ابن كثير: وهذا أصح. وأخرج الحاكم وصححه، عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القناطير المقنطرة، فقال: " القنطار ألف أوقية " ورواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه مرفوعاً بلفظ " ألف دينار ". وأخرج ابن جرير، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القنطار ألف أوقية، ومائتا أوقية " وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي من قول معاذ بن جبل. وأخرجه ابن جرير من قول ابن عمر. وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي من قول أبي هريرة. وأخرجه ابن جرير، والبيهقي من قول ابن عباس. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، قال: القنطار ملء مسك جلد الثور ذهباً.
قوله: { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } بدل من قوله: { لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، أو منصوب على المدح، والصابرين، وما بعده نعت للموصول على تقدير كونه بدلاً، أو منصوباً على المدح، وعلى تقدير كونه خبراً يكون الصابرين، وما بعده منصوبة على المدح، وقد تقدّم تفسير الصبر، والصدق، والقنوت. قوله: { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأسْحَارِ } هم: السائلون للمغفرة بالأسحار. وقيل: المصلون. والأسحار جمع سحر بفتح الحاء، وسكونها. قال الزجاج: هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر، وخص الأسحار؛ لأنها من أوقات الإجابة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عمر بن الخطاب، لما نزلت: { زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } قال: الآن يا ربّ حين زينتها لنا، فنزلت: { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ }. وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ " خير " انتهى إلى قوله: { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ } فبكى، وقال: بعد ماذا، بعد ماذا بعد ما زينتها. وأخرج أحمد، وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القنطار اثنا عشر ألف أوقية " رواه أحمد من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد، عن عاصم عن أبي صالح عنه. ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الصمد به. وقد رواه ابن جرير موقوفاً على أبي هريرة. قال ابن كثير: وهذا أصح. وأخرج الحاكم وصححه، عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القناطير المقنطرة، فقال: " القنطار ألف أوقية " ورواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه مرفوعاً بلفظ " ألف دينار ". وأخرج ابن جرير، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القنطار ألف أوقية، ومائتا أوقية " وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي من قول معاذ بن جبل. وأخرجه ابن جرير من قول ابن عمر. وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي من قول أبي هريرة. وأخرجه ابن جرير، والبيهقي من قول ابن عباس. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، قال: القنطار ملء مسك جلد الثور ذهباً.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر أنه قال: القنطار سبعون ألفاً، وأخرجه عبد بن حميد، عن مجاهد. وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيب قال القنطار ثمانون ألفاً. وأخرج أيضاً، عن أبي صالح قال: القنطار مائة رطل. وأخرجه أيضاً عن قتادة، وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر قال: القنطار خمسة عشر ألف مثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً، وأخرج ابن جرير، عن الضحاك قال: هو المال الكثير من الذهب، والفضة. وأخرجه أيضاً، عن الربيع. وأخرج عن السدي: أن المقنطرة: المضروبة. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي، عن ابن عباس { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } قال: الراعية. وأخرج ابن المنذر، عنه من طريق مجاهد. وأخرج ابن جرير عنه قال: هي الراعية، والمطهمة الحسان. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد قال: هي المطهمة الحسان. وأخرجا، عن عكرمة قال: تسويمها حسنها. وأخرج ابن أبي حاتم، قال: { ٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } الغرّة، والتحجيل، وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة في قوله الصابرين قال: قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه، والصادقون: قوم صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم، وألسنتهم، وصدقوا في السرّ، والعلانية، والقانتون: هم المطيعون، والمستغفرون بالأسحار: أهل الصلاة. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة قال: هم الذين يشهدون صلاة الصبح. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن أنس قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة. وأخرج ابن جرير، وأحمد في الزهد، عن سعيد الجريري؛ قال: بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل، فقال: يا جبريل أي الليل أفضل؟ قال: يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر. وقد ثبت في الصحيحين، وغيرهما، عن جماعة من الصحابة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقي ثلث الليل الآخر، فيقول هل من سائل، فأعطيه، هل من داع، فأستجيب له، هل من مستغفر، فأغفر له؟ ".