* تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا
طَرَآئِقَ قِدَداً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ
وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن
يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ
فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً }
* { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى
ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ
يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }
يقول تعالى مخبراً عن
الجن: أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم: { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا
دُونَ ذَلِكَ } أي: غير ذلك { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي: طرائق متعددة
مختلفة، وآراء متفرقة، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً
} أي: منّا المؤمن، ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا
أسلم بن سهل بحشل، حدثنا علي بن الحسن بن سليمان، وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ
مسلم، حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: تروح إلينا جني، فقلت له: ما أحب
الطعام إليكم؟ فقال: الأرز، قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى
أحداً، فقلت: فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال: نعم، فقلت: فما الرافضة فيكم؟
قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزِّي فقال: هذا إسناد
صحيح إلى الأعمش. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال:
سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قُلوبٌ بَراها الحُبُّ حَتَّى تَعَلَّقَتْ
|
|
مَذاهِبُها في كُل غَرْبٍ وشارِقِ
|
تَهيمُ بِحُب اللّهِ واللّهُ رَبُّها
|
|
مُعَلَّقَةً بِاللّهِ دُونَ الخَلائِقِ
|
وقوله تعالى: { وَأَنَّا
ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً }
أي: نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا، وأنا لا نعجزه في الأرض، ولو أمعنّا في الهرب،
فإنه علينا قادر، لا يعجزه أحد منّا، { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ ءَامَنَّا
بِهِ } يفتخرون بذلك، وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة، وقولهم: { فَمَن يُؤْمِن
بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } قال ابن عباس وقتادة وغيرهما:
فلا يخاف أن ينقص من حسناته، أو يحمل عليه غير سيئاته؛ كما قال تعالى:
{ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }
[طه: 112] { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } أي: منا المسلم ومنا القاسط، وهو الجائر عن الحق، الناكب عنه، بخلاف المقسط؛ فإنه العادل، { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي: طلبوا لأنفسهم النجاة، { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقاً لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين:
[أحدهما] وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام، وعدلوا إليها، واستمروا عليها، { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقاً } أي: كثيراً، والمراد بذلك سعة الرزق، كقوله تعالى:
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم }
[المائدة: 66] وكقوله تعالى:
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }
[الأعراف: 96] وعلى هذا يكون معنى قوله: { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم، كما قال مالك عن زيد بن أسلم: لنفتنهم: لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
[ذكر من قال بهذا القول] قال العوفي عن ابن عباس: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ } يعني بالاستقامة: الطاعة، وقال مجاهد: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال: الإسلام.
{ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }
[طه: 112] { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } أي: منا المسلم ومنا القاسط، وهو الجائر عن الحق، الناكب عنه، بخلاف المقسط؛ فإنه العادل، { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي: طلبوا لأنفسهم النجاة، { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقاً لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين:
[أحدهما] وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام، وعدلوا إليها، واستمروا عليها، { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقاً } أي: كثيراً، والمراد بذلك سعة الرزق، كقوله تعالى:
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم }
[المائدة: 66] وكقوله تعالى:
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }
[الأعراف: 96] وعلى هذا يكون معنى قوله: { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم، كما قال مالك عن زيد بن أسلم: لنفتنهم: لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
[ذكر من قال بهذا القول] قال العوفي عن ابن عباس: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ } يعني بالاستقامة: الطاعة، وقال مجاهد: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال: الإسلام.
وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن
المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي، وقال قتادة: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ
عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ } يقول: لو آمنوا كلهم، لأوسعنا عليهم من
الدنيا. وقال مجاهد: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي: طريقة
الحق، وكذا قال الضحاك، واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما، وكل هؤلاء أو
أكثرهم قالوا في قوله: { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنبتليهم به. وقال مقاتل:
نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
[والقول الثاني] { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ }: الضلال { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقاً } أي: لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً؛ كما قال تعالى:
{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ }
[الأنعام: 44] وكقوله:
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }
[المؤمنون: 55 ــــ 56] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد، فإنه قال في قوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الضلالة، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان، وله اتجاه، ويتأيّد بقوله: لنفتنهم فيه. وقوله: { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي: عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد: { عَذَاباً صَعَداً } أي: مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها.
[والقول الثاني] { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ }: الضلال { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّآءً غَدَقاً } أي: لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً؛ كما قال تعالى:
{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ }
[الأنعام: 44] وكقوله:
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }
[المؤمنون: 55 ــــ 56] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد، فإنه قال في قوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الضلالة، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان، وله اتجاه، ويتأيّد بقوله: لنفتنهم فيه. وقوله: { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي: عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد: { عَذَاباً صَعَداً } أي: مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها.