* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685
هـ) مصنف و مدقق
{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }
* { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ
ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ
ٱلنُّشُورُ } * { ءَأَمِنتُمْ مَّن
فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }
* { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ
أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }
* { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ
وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا
ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ
ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ
رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن
يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ
خَلَقَ } ألا يعلم السر والجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته. { وَهُوَ
ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن، أو ألا يعلم
الله من خلقه، وهو بهذه المثابة والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون لـ { يَعْلَمْ
} مفعول ليفيد، روي: أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء، فيخبر الله بها
رسوله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه الله على
جهلهم.
{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } لينة يسهل لكم السلوك فيها. { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } في جوانبها أو جبالها، وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له، فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل. { وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } والتمسوا من نعم الله. { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم.
{ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِى ٱلسَّمَاء } يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم، أو الله تعالى على تأويل { مَّن فِى ٱلسَّمَاء } أمره أو قضاؤه، أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء، وعن ابن كثير «وامنتم» بقلب الهمزة الأولى واواً لانضمام ما قبلها، «وآمنتم» بقلب الثانية ألفاً، وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس. { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال. { فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } تضطرب، والمور التردد في المجيء والذهاب.
{ أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى ٱلسَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } أن يمطر عليكم حصباء. { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ.
{ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } إنكاري عليهم بإنزال العذاب، وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه المشركين.
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ } باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها. { وَيَقْبِضْنَ } ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت للاستظهار به على التحريك، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارىء عليه. { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الجو على خلاف الطبع. { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء. { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ بَصِيرٌ } يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } عديل لقوله { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع، فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب، أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله
{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } لينة يسهل لكم السلوك فيها. { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } في جوانبها أو جبالها، وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له، فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل. { وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } والتمسوا من نعم الله. { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم.
{ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِى ٱلسَّمَاء } يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم، أو الله تعالى على تأويل { مَّن فِى ٱلسَّمَاء } أمره أو قضاؤه، أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء، وعن ابن كثير «وامنتم» بقلب الهمزة الأولى واواً لانضمام ما قبلها، «وآمنتم» بقلب الثانية ألفاً، وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس. { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال. { فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } تضطرب، والمور التردد في المجيء والذهاب.
{ أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى ٱلسَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } أن يمطر عليكم حصباء. { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ.
{ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } إنكاري عليهم بإنزال العذاب، وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه المشركين.
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ } باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها. { وَيَقْبِضْنَ } ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت للاستظهار به على التحريك، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارىء عليه. { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الجو على خلاف الطبع. { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء. { إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ بَصِيرٌ } يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } عديل لقوله { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع، فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب، أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله
{ أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ
تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا }
[الأنبياء: 43] إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعاراً بأنهم اعتقدوا هذا القسم، و { مِنْ } مبتدأ و { هَـٰذَا } خبره و { ٱلَّذِى } بصلته صفته و { يَنصُرْكُمُ } وصف لـ { جُندٌ } محمول على لفظه. { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ } لا معتمد لهم.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ } أم من يشار إليه ويقال { هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ }. { إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم. { بَل لَّجُّواْ } تمادوا. { فِى عُتُوّ } عناد. { وَنُفُورٍ } شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه.
{ أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ } يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع، والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع، وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما أنكب وانقشع، ومعنى { مُكِبّاً } أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقه واختلاف أجزائه، ولذلك قابله بقوله: { أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً } قائماً سالماً من العثار. { عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } مستوي الأجزاء والجهة، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين، ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقاً، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو. وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير، وقيل من { يَمْشِى مُكِبّاً } هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن { يَمْشِى سَوِيّاً } الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.
[الأنبياء: 43] إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعاراً بأنهم اعتقدوا هذا القسم، و { مِنْ } مبتدأ و { هَـٰذَا } خبره و { ٱلَّذِى } بصلته صفته و { يَنصُرْكُمُ } وصف لـ { جُندٌ } محمول على لفظه. { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ } لا معتمد لهم.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ } أم من يشار إليه ويقال { هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ }. { إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم. { بَل لَّجُّواْ } تمادوا. { فِى عُتُوّ } عناد. { وَنُفُورٍ } شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه.
{ أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ } يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع، والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع، وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما أنكب وانقشع، ومعنى { مُكِبّاً } أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقه واختلاف أجزائه، ولذلك قابله بقوله: { أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً } قائماً سالماً من العثار. { عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } مستوي الأجزاء والجهة، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين، ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقاً، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو. وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير، وقيل من { يَمْشِى مُكِبّاً } هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن { يَمْشِى سَوِيّاً } الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.