*
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق
{ وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ
رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ
رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا
عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }
اعلم أن الكفار كانت لهم عادات كثيرة وطرق مختلفة،
فمنها شدة حرصهم على الدنيا ورغبتهم في تحصيلها، وقد أبطل الله هذه الطريقة بقوله:
{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا }
[هود: 15] إلى آخر الآية، ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقدحون في معجزاته، وقد أبطل الله تعالى بقوله:
{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ }
[هود:17] ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله، وقد أبطل الله تعالى ذلك بهذه الآية، وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله تعالى، فلما بين وعيد المفترين على الله، فقد دخل فيه هذا الكلام.
واعلم أن قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } إنما يورد في معرض المبالغة. وفيه دلالة على أن الافتراء على الله تعالى أعظم أنواع الظلم.
ثم إنه تعالى بين وعيد هؤلاء بقوله: { أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } وما وصفهم بذلك لأنهم مختصون بذلك العرض، لأن العرض عام في كل العباد كما قال:
{ وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبّكَ صَفَّا }
[الكهف: 48] وإنما أراد به أنهم يعرضون فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم { هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } فحصل لهم من الخزي والنكال مالا مزيد عليه، وفيه سؤالات:
السؤال الأول: إذا لم يجز أن يكون الله تعالى في مكان، فكيف قال: { يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } والجواب: أنهم يعرضون على الأماكن المعدة للحساب والسؤال، ويجوز أيضاً أن يكون ذلك عرضاً على من شاء الله من الخلق بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.
السؤال الثاني: من الأشهاد الذين أضيف إليهم هذا القول؟
الجواب قال مجاهد: هم الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا. وقال قتادة ومقاتل: { ٱلأَشْهَـٰدُ } الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد، يعني على رؤوس الناس. وقال الآخرون: هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى:
{ فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ }
[الأعراف: 6] والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة.
السؤال الثالث: الأشهاد جمع فما واحده؟
والجواب: يجوز أن يكون جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب، وناصر وأنصار، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف. قال أبو علي الفارسي: وهذا كأنه أرجح، لأن ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل، كقوله:
{ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
[البقرة: 143]
{ وجِئْنَا بِك عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً }
[النساء: 41] ثم لما أخبر عن حالهم في عذاب القيامة أخبر عن حالهم في الحال فقال: { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } وبين أنهم في الحال لملعونون من عند الله، ثم ذكر من صفاتهم أنهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً يعني أنهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر والضلال، فقد أضافوا إليه المنع من الدين الحق وإلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة، لأنه لا يقال في العاصي يبغي عوجاً، وإنما يقال ذلك فيمن يعرف كيفية الاستقامة، وكيفية العوج بسبب إلقاء الشبهات وتقرير الضلالات.
ثم قال: { وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } قال الزجاج: كلمة «هم» كررت على جهة التوكيد لثباتهم في الكفر.
{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا }
[هود: 15] إلى آخر الآية، ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقدحون في معجزاته، وقد أبطل الله تعالى بقوله:
{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ }
[هود:17] ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله، وقد أبطل الله تعالى ذلك بهذه الآية، وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله تعالى، فلما بين وعيد المفترين على الله، فقد دخل فيه هذا الكلام.
واعلم أن قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } إنما يورد في معرض المبالغة. وفيه دلالة على أن الافتراء على الله تعالى أعظم أنواع الظلم.
ثم إنه تعالى بين وعيد هؤلاء بقوله: { أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } وما وصفهم بذلك لأنهم مختصون بذلك العرض، لأن العرض عام في كل العباد كما قال:
{ وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبّكَ صَفَّا }
[الكهف: 48] وإنما أراد به أنهم يعرضون فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم { هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } فحصل لهم من الخزي والنكال مالا مزيد عليه، وفيه سؤالات:
السؤال الأول: إذا لم يجز أن يكون الله تعالى في مكان، فكيف قال: { يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ } والجواب: أنهم يعرضون على الأماكن المعدة للحساب والسؤال، ويجوز أيضاً أن يكون ذلك عرضاً على من شاء الله من الخلق بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.
السؤال الثاني: من الأشهاد الذين أضيف إليهم هذا القول؟
الجواب قال مجاهد: هم الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا. وقال قتادة ومقاتل: { ٱلأَشْهَـٰدُ } الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد، يعني على رؤوس الناس. وقال الآخرون: هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى:
{ فَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ }
[الأعراف: 6] والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة.
السؤال الثالث: الأشهاد جمع فما واحده؟
والجواب: يجوز أن يكون جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب، وناصر وأنصار، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف. قال أبو علي الفارسي: وهذا كأنه أرجح، لأن ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل، كقوله:
{ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
[البقرة: 143]
{ وجِئْنَا بِك عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً }
[النساء: 41] ثم لما أخبر عن حالهم في عذاب القيامة أخبر عن حالهم في الحال فقال: { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } وبين أنهم في الحال لملعونون من عند الله، ثم ذكر من صفاتهم أنهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً يعني أنهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر والضلال، فقد أضافوا إليه المنع من الدين الحق وإلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة، لأنه لا يقال في العاصي يبغي عوجاً، وإنما يقال ذلك فيمن يعرف كيفية الاستقامة، وكيفية العوج بسبب إلقاء الشبهات وتقرير الضلالات.
ثم قال: { وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } قال الزجاج: كلمة «هم» كررت على جهة التوكيد لثباتهم في الكفر.