*
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق
قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ
مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي فائتين من عذاب الله. وقال ابن عباس: لم يُعجزوني
أن آمر الأرض فتنخسف بهم. { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ
أَوْلِيَآءَ } يعني أنصاراً، و { مِنْ } زائدة. وقيل: { ما } بمعنى الذي تقديره:
أولئك لم يكونوا معجزين لا هم ولا الذين كانوا لهم من أولياء من دون الله؛ وهو قول
ٱبن عباس رضي الله عنهما. { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي على قدر كفرهم
ومعاصيهم. { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ } { ما } في موضع نصب على أن
يكون المعنى: بما كانوا يستطيعون السمع. { وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } ولم
يستعملوا ذلك في استماع الحق وإبصاره. والعرب تقول: جزيته ما فعل وبما فعل؛
فيحذفون الباء مرة ويثبتونها أخرى؛ وأنشد سيبويه:
أَمَرْتُكَ الخيرَ
فافعل ما أمِرتَ بهِ
|
|
فقد تَركُتك ذا مالٍ
وذا نَشَبِ
|
ويجوز أن تكون { ما } ظرفا، والمعنى: يضاعف لهم
أبداً، أي وقت ٱستطاعتهم السمع والبصر، والله سبحانه يجعلهم في جهنم مستطيعي ذلك
أبداً. ويجوز أن تكون { ما } نافية لا موضع لها؛ إذ الكلام قد تمّ قبلها، والوقف
على العذاب كافٍ؛ والمعنى: ما كانوا يستطيعون في الدنيا أن يسمعوا سمعاً ينتفعون
به، ولا أن يبصروا إبصار مهتد. قال الفرّاء: ما كانوا يستطيعون السمع؛ لأن الله
أضلّهم في اللوح المحفوظ. وقال الزجاج: لبغضهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وعداوتهم
له لا يستطيعون أن يسمعوا منه ولا يفقهوا عنه. قال النحاس: وهذا معروف في كلام
العرب؛ يقال: فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان إذا كان ذلك ثقيلاً عليه.