*
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
{ وَهُوَ ٱلَّذِي
يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ
يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ
ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم
حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ
لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ
لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ }
يقول تعالى: إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل،
وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى:
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ }
[آل عمران: 55] وقال تعالى:
{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى }
[الزمر: 42] فذكر في هذه الآية الوفاتين: الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وحال حركتهم، كما قال:
{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ }
[الرعد: 10] وكما قال تعالى: { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } أي: في الليل، { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي: في النهار؛ كما قال:
{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً }
[النبأ:10-11] ولهذا قال تعالى ههنا: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي: ما كسبتم من الأعمال فيه { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } أي: في النهار، قاله مجاهد وقتادة والسدي، وقال ابن جريج: عن عبد الله بن كثير، أي: في المنام، والأول أظهر، وقد روى ابن مردويه بسند: عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه وُيَردّ إليه، فإن أذن الله في قبض روحه، قبضه، وإلا رد إليه " فذلك قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ }.
وقوله: { لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مّسَمًّى } يعني به: أجل كل واحد من الناس، { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } أي: يوم القيامة، { ثُمَّ يُنَبِّئُكُم } أي: فيخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: ويجزيكم على ذلك، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وقوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أي: وهو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } أي: من الملائكة يحفظون بدن الإنسان؛ كقوله:
{ لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }
[الرعد: 11] وحفظة يحفظون عمله ويحصونه؛ كقوله:
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ }
[الانفطار: 10] الآية، وكقوله:
{ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
[ق: 17 - 18]، وقوله:
{ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ }
[ق: 17] الآية. وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي: احتضر، وحان أجله، { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي: ملائكة موكلون بذلك، قال ابن عباس وغير واحد: لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم، وسيأتي عند قوله تعالى:
{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ }
[إبراهيم: 27] الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة، وقوله: { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } أي: في حفظ روح المتوفى، بل يحفظونها، وينزلونها حيث شاء الله عز وجل، إن كان من الأبرار، ففي عليين، وإن كان من الفجار، ففي سجين، عياذاً بالله من ذلك.
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ }
[آل عمران: 55] وقال تعالى:
{ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى }
[الزمر: 42] فذكر في هذه الآية الوفاتين: الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وحال حركتهم، كما قال:
{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ }
[الرعد: 10] وكما قال تعالى: { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } أي: في الليل، { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي: في النهار؛ كما قال:
{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً }
[النبأ:10-11] ولهذا قال تعالى ههنا: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي: ما كسبتم من الأعمال فيه { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } أي: في النهار، قاله مجاهد وقتادة والسدي، وقال ابن جريج: عن عبد الله بن كثير، أي: في المنام، والأول أظهر، وقد روى ابن مردويه بسند: عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه وُيَردّ إليه، فإن أذن الله في قبض روحه، قبضه، وإلا رد إليه " فذلك قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ }.
وقوله: { لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مّسَمًّى } يعني به: أجل كل واحد من الناس، { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } أي: يوم القيامة، { ثُمَّ يُنَبِّئُكُم } أي: فيخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: ويجزيكم على ذلك، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وقوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أي: وهو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } أي: من الملائكة يحفظون بدن الإنسان؛ كقوله:
{ لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }
[الرعد: 11] وحفظة يحفظون عمله ويحصونه؛ كقوله:
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ }
[الانفطار: 10] الآية، وكقوله:
{ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
[ق: 17 - 18]، وقوله:
{ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ }
[ق: 17] الآية. وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي: احتضر، وحان أجله، { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي: ملائكة موكلون بذلك، قال ابن عباس وغير واحد: لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم، وسيأتي عند قوله تعالى:
{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ }
[إبراهيم: 27] الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة، وقوله: { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } أي: في حفظ روح المتوفى، بل يحفظونها، وينزلونها حيث شاء الله عز وجل، إن كان من الأبرار، ففي عليين، وإن كان من الفجار، ففي سجين، عياذاً بالله من ذلك.
وقوله: { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ
ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ } قال ابن جرير: { ثُمَّ رُدُّوۤاْ } يعني:
الملائكة { إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ } ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه
الإمام أحمد حيث قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن
عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: " إن
الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة
كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا تزال
يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟
فيقال: فلان، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة،
وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى
السماء التي فيها الله عز وجل، وإذا كان الرجل السوء، قالوا: اخرجي أيتها النفس
الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله
أزواج، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها
فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد
الخبيث، ارجعي ذميمة؛ فإنه لا يفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء ثم تصير إلى
القبر، فيجلس الرجل الصالح، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل
السوء، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الثاني " هذا
حديث غريب، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: { ثُمَّ رُدُّوۤاْ } يعني: الخلائق كلهم
إلى الله يوم القيامة، فيحكم فيهم بعدله، كما قال:
{ قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }
[الواقعة:49-50] وقال:
{ وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }
[الكهف: 47] إلى قوله: { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ولهذا قال: { مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ }.
{ قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }
[الواقعة:49-50] وقال:
{ وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }
[الكهف: 47] إلى قوله: { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ولهذا قال: { مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ }.