*
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق
اعلم أن عبدالله هو النبي صلى الله عليه وسلم في
قول الجميع، ثم قال الواحدي: إن هذا من كلام الجن لا من جملة الموحى، لأن الرسول
لا يليق أن يحكي عن نفسه بلفظ المغايبة وهذا غير بعيد، كما في قوله:
{ يَوْمٍ يُحْشَرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً }
[مريم:85] والأكثرون على أنه من جملة الموحى، إذ لو كان من كلام الجن لكان ما ليس من كلام الجن. وفي خلل ما هو كلام الجن مختلاً بعيداً عن سلامة النظم وفائدة هذا الاختلاف أن من جعله من جملة الموحى فتح الهمزة في أن، ومن جعله من كلام الجن كسرها، ونحن نفسر الآية على القولين، أما على قول من قال: إنه من جملة الموحى فالضمير في قوله: { كَادُواْ } إلى من يعود؟ فيه ثلاثة أوجه أحدها: إلى الجن، ومعنى { قَامَ... يَدْعُوهُ } أي قام يعبده يريد قيامه لصلاة الفجر حين أتاه الجن، فاستمعوا القراءة { كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } ، أي يزدحمون عليه متراكمين تعجباً مما رأوا من عبادته، واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً، وساجداً وإعجاباً بما تلا من القرآن، لأنهم رأوا مالم يروا مثله، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله والثاني: لما قدم رسول الله يعبد الله وحده مخالفاً للمشركين في عبادتهم الأوثان، كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه والثالث: وهو قول قتادة: لما قام عبدالله تلبدت الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به ويطفئوا نور الله، فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من عاداه، وأما على قول من قال: إنه من كلام الجن، فالوجهان أيضاً عائدان فيه، وقوله: { لِبَداً } فهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض وارتكم بعضه على بعض، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقاً شديداً فقد لبدته، ومنه اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ويقال: لبدة الأسد لما يتلبد من الشعر بين كتفيه، ومنه قول زهير:
{ يَوْمٍ يُحْشَرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً }
[مريم:85] والأكثرون على أنه من جملة الموحى، إذ لو كان من كلام الجن لكان ما ليس من كلام الجن. وفي خلل ما هو كلام الجن مختلاً بعيداً عن سلامة النظم وفائدة هذا الاختلاف أن من جعله من جملة الموحى فتح الهمزة في أن، ومن جعله من كلام الجن كسرها، ونحن نفسر الآية على القولين، أما على قول من قال: إنه من جملة الموحى فالضمير في قوله: { كَادُواْ } إلى من يعود؟ فيه ثلاثة أوجه أحدها: إلى الجن، ومعنى { قَامَ... يَدْعُوهُ } أي قام يعبده يريد قيامه لصلاة الفجر حين أتاه الجن، فاستمعوا القراءة { كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } ، أي يزدحمون عليه متراكمين تعجباً مما رأوا من عبادته، واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً، وساجداً وإعجاباً بما تلا من القرآن، لأنهم رأوا مالم يروا مثله، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله والثاني: لما قدم رسول الله يعبد الله وحده مخالفاً للمشركين في عبادتهم الأوثان، كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه والثالث: وهو قول قتادة: لما قام عبدالله تلبدت الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به ويطفئوا نور الله، فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من عاداه، وأما على قول من قال: إنه من كلام الجن، فالوجهان أيضاً عائدان فيه، وقوله: { لِبَداً } فهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض وارتكم بعضه على بعض، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقاً شديداً فقد لبدته، ومنه اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ويقال: لبدة الأسد لما يتلبد من الشعر بين كتفيه، ومنه قول زهير:
(لدى أسد شاكي السلاح
مقذف)
|
|
له لبد أظفاره لم تقلم
|
وقرىء: { لِبَداً } بضم اللام واللبدة في معنى
اللبدة، وقرىء { لِبَداً } جمع لابد كسُجِّد وساجد. وقرىء أيضاً: { لِبَداً } بضم
اللام والباء جمع لبود كصبر جمع صبور، فإن قيل: لم سمي محمداً بعبدالله، وما ذكره
برسول الله أو نبي الله؟ قلنا: لأنه إن كان هذا الكلام من جملة الموحى، فاللائق
بتواضع الرسول أن يذكر نفسه بالعبودية، وإن كان من كلام الجن كان المعنى أن
عبدالله لما اشتغل بعبودية الله، فهؤلاء الكفار لم اجتمعوا ولم حاولوا منعه منه،
مع أن ذلك هو الموافق لقانون العقل؟.