Friday, 20 November 2015

سورة فصلت آية 0053 - 00685 ت - تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل - تفسير البيضاوي

* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 

مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } * { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } * {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } * {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }
{ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ } نفعه. { وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } ضره. { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله.

{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو. { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَةٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } من أوعيتها جمع كم بالكسر. وقرأ نافع وابن عامر وحفص «مِن ثَمَرٰتٍ» بالجمع لاختلاف الأنواع، وقرىء بجمع الضمير أيضاً و { مَا } نافية و { مِنْ } الأولى مزيدة للاستغراق، ويحتمل أن تكون موصولة معطوفة على { ٱلسَّاعَةَ } و { مِنْ } مبينة بخلاف قوله: { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ } بِمكان. { إِلاَّ بِعِلْمِهِ } إلا مقروناً بعلمه واقعاً حسب تعلقه به. { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى } بزعمكم. { قَالُواْ ءَاذَنَّاكَ } أعلمناك. { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } من أحد يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا عنهم لما عاينا الحال فيكون السؤال عنهم للتوبيخ، أو من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا. وقيل هو قول الشركاء أي ما منا من يشهد لهم بأنهم كانوا محقين.

{ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ } يعبدون. { مِن قَبْلُ } لا ينفعهم أو لا يرونه. { وَظَنُّواْ } وأيقنوا. { مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ } مهرب والظن معلق عنه بحرف النفي.

{ لاَّ يَسْـئَمُ ٱلإِنْسَـٰنُ } لا يمل. { مِن دُعَاءِ ٱلْخَيْرِ } من طلب السعة في النعمة، وقرىء «من دعاء بالخير». { وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ } الضيقة. { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } من فضل الله ورحمته وهذا صفة الكافر لقوله:
إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }
[يوسف: 87] وقد بولغ في يأسه من جهة البنية والتكرير وما في القنوط من ظهور أثر اليأس.

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَـٰهُ رَحْمَةً مّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ } بتفريجها عنه. { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِى } حقي أستحقه لمالي من الفضل والعمل، أولي دائماً لا يزول. { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } تقوم. { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة، وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه. { فَلَنُنَبّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فلنخبرنهم. { بِمَا عَمِلُواْ } بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم عكس ما اعتقدوا فيها. { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } لا يمكنهم التقصي عنه.

{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ أَعْرَضَ } عن الشكر. { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } وانحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبراً، والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله:
فِى جَنبِ ٱللَّهِ }
[الزمر: 56] { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } كثير مستعار مما له عرض متسع للاشعار بكثرته واستمراره، وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله؟

{ قُلْ أَرَءَيْتُمْ } أخبروني.


{
إِن كَانَ } أي القرآن. { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } من غير نظر واتباع دليل. { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي من أضل منكم، فوضع الموصول موضع الضمير شرحاً لحالهم وتعليلاً لمزيد ضلالهم.

{
سَنُرِيهِمْ ءايَـٰتِنَا فِى ٱلأَفَاقِ } يعني ما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية، وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة. { وَفِى أَنفُسِهِمْ } ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم، أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة. { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو الله { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ } أي أو لم يَكف ربك، والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل: أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى. { أَنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } بدل منه، والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة، أو مطلع فيعلم حالك وحالهم، أو لم يكف الإنسان رادعاً عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية.

{
أَلاَ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ } شك، وقرىء بالضم وهو لغة كخفية وخفية. { مّن لّقَاء رَبّهِمْ } بالبعث والجزاء. { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ مُّحِيطُ } عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها، مقتدر عليها لا يفوته شيء منها.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات ".