Monday, 16 November 2015

سورة النساء آية 0115 - 00671 ت - تفسير الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي

* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 

فيه مسألتان:

الأُولى ـ قال العلماء: هاتان الآيتان نزلتا بسبب ابن أبَيْرِق السارق، لما حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم (عليه) بالقطع وهرب إلى مكة وٱرتدّ؛ قال سعيد بن جبير: لما صار إلى مكة نقب بيتاً بمكة فلحقه المشركون فقتلوه؛ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } إلى قوله: { فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }. وقال الضحاك: قدِم نفر من قريش المدينة وأسلموا ثم ٱنقلبوا إلى مكة مرتدّين فنزلت هذه الآية { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ }. والمشاقّة المعاداة. والآية وإن نزلت في سارق الدّرع أو غيره فهي عامة في كل من خالف طريق المسلمين. و { ٱلْهُدَىٰ }: الرشد والبيان، وقد تقدّم. وقوله تعالى: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } يقال: إنه نزل فيمن ٱرتدّ؛ والمعنى: نتركه وما يعبد؛ عن مجاهد. أي نِكله إلى الأصنام التي لا تنفع ولا تضر؛ وقاله مقاتل. وقال الكلبي؛ نزل قوله تعالى: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } في ٱبن أُبَيرق؛ لما ظهرت حاله وسرقته هرب إلى مكة وارتدّ ونقب حائطاً لرجل بمكة يقال له: حجّاج بنِ علاط، فسقط فبقي في النّقْب حتى وُجد على حاله، وأخرجوه من مكة؛ فخرج إلى الشام فسرق بعض أموال القافلة فرجموه وقتلوه، فنزلت: { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }. وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو «نُوَلِّهْ» «ونُصْلِهْ» بجزم الهاء، والباقون بكسرها، وهما لغتان.

الثانية ـ قال العلماء في قوله تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } دليل على صحة القول بالإجماع، وفي قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ردّ على الخوارج؛ حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر. وقد تقدّم القول في هذا المعنى. وروى الترمذِيّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } (قال): هذا حديث غريب. قال ابن فُورَك: وأجمع أصحابنا على أنه لا تخليد إلا للكافر، وأن الفاسق من أهل القبلة إذا مات غير تائب فإنه إن عُذب بالنار فلا مَحالة أنه يخرج منها بشفاعة الرسول؛ أو بٱبتداء رحمةٍ من الله تعالى. وقال الضحاك: إن شيخاً من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا، إلا أني لم أُشرِك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به، فما حالي عند الله؟ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ }.