Monday, 16 November 2015

سورة النساء آية 0115 - 00685 ت - تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل - تفسير البيضاوي

* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 

وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } * { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } * { هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } * { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } * { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }
{ وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ } مما همت به. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } لمن يستغفر.

{ وَلاَ تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } يخونونها فإن وبال خيانتهم يعود عليها، أو جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلماً عليها، والضمير لطعمة وأمثاله أو له ولقومه فإنهم شاركوه في الإِثم حيث شهدوا على براءته وخاصموا عنه. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً } مبالغاً في الخيانة مصراً عليها. { أَثِيماً } منهمكاً فيها. روي: أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطاً بها ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله.

{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ } يستترون منهم حياء وخوفاً. { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ } ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيا ويخاف منه. { وَهُوَ مَعَهُمْ } لا يخفي عليه سرهم فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه. { إِذْ يُبَيّتُونَ } يدبرون ويزورون. { مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ } من رمي البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور. { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }. لا يفوت عنه شيء.

{ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } مبتدأ وخبر. { جَـٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } جملة مبينة لوقوع أولاء خبراً أو صلة عند من يجعله موصولاً. { فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } محامياً يحميهم من عذاب الله.

{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً } قبيحاً يسوء به غيره. { أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } بما يختص به ولا يتعداه. وقيل المراد بالسوء ما دون الشرك، وبالظلم الشرك. وقيل: الصغيرة والكبيرة. { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } بالتوبة. { يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً } لذنوبه. { رَّحِيماً } متفضلاً عليه، وفيه حث لطعمة وقومه على التوبة والاستغفار.

{ وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } فلا يتعداه وباله كقوله تعالى: { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } فهو عالم بفعله حكيم في مجازاته.

{ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً } صغيرة أو ما لا عمد فيه. { أَوْ إِثْماً } كبيرة أو ما كان عن عمد. { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } كما رمى طعمة زيداً، ووحد الضمير لمكان أو. { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً } بسبب رمي البريء وتبرئة النفس الخاطئة، ولذلك سوى بينهما وإن كان مقترف أحدهما دون مقترف الآخر.

{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } بإعلام ما هم عليه بالوحي، والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم. { لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ } أي من بني ظفر. { أَن يُضِلُّوكَ } عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال، والجملة جواب لولا وليس القصد فيه إلى نفي همهم بل إلى نفي تأثيره فيه. { وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ } لأنه ما أزلك عن الحق وعاد وباله عليهم. { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } فإن الله سبحانه وتعالى عصمك وما خطر ببالك كان اعتماداً منك على ظاهر الأمر لا ميلاً في الحكم، ومن شيء في موضع النصب على المصدر أي شيء من الضرر { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } من خفيات الأمور، أو من أمور الدين والأَحكام.


{
وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } إذ لا فضل أعظم من النبوة.

{
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } من متناجيهم كقوله تعالى: { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } أو من تناجيهم فقوله: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ } على حذف مضاف أي إلا نجوى من أمر أو على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير، والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل. وفسرها هنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع وسائر ما فسر به. { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أو إصلاح ذات البين. { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَاتَ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } بني الكلام على الأمر ورتب الجزاء على الفعل ليدل على أنه لما دخل الآمر في زمرة الخيرين كان الفاعل أدخل فيهم، وأن العمدة والغرض هو الفعل واعتبار الأمر من حيث إنه وصلة إليه، وقيد الفعل بأن يقول لطلب مرضاة الله سبحانه وتعالى، لأن الأعمال بالنيات وأن كل من فعل خيراً رياء وسمعة لم يستحق به من الله أجراً. ووصف الأجر بالعظم تنبيهاً على حقارة ما فات في جنبه من أعراض الدنيا. وقرأ حمزة وأبو عمرو «يؤتيه» بالياء.

{
وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } يخالفه، من الشق فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر. { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات. { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } غير ما هم عليه من اعتقاد أو عمل. { نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىٰ } نجعله والياً لما تولى من الضلال، ونخل بينه وبين ما اختاره. { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } وندخله فيها. وقرىء بفتح النون من صلاة. { وَسَاءتْ مَصِيراً } جهنم، والآية تدل على حرمة مخالفة الإِجماع، لأنه سبحانه وتعالى رتب الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين، وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما، والثاني باطل إذ يقبح أن يقال من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد، وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرماً كان اتباع سبيلهم واجباً، لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم، وقد استقصيت الكلام فيه في مرصاد الأفهام إلى مبادىء الأحكام.