باب الجريد
على القبر وأوصى بريدة الأسلمي أن يجعل في قبره جريدان ورأى ابن عمر رضي الله عنهما
فسطاطا على قبر عبد الرحمن فقال انزعه يا غلام فإنما يظله عمله وقال خارجة بن زيد رأيتني
ونحن شبان في زمن عثمان رضي الله عنه وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى
يجاوزه وقال عثمان بن حكيم أخذ بيدي خارجة فأجلسني على قبر وأخبرني عن عمه يزيد بن
ثابت قال إنما كره ذلك لمن أحدث عليه وقال نافع كان ابن عمر رضي الله عنهما يجلس على
القبور
1295 حدثنا يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن
عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه مر بقبرين يعذبان فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان
لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثم
غرز في كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله لم صنعت هذا فقال لعله أن يخفف عنهما ما لم
ييبسا
بَاب الْجَرِيدِ
عَلَى الْقَبْرِ وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ
وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
فَقَالَ انْزِعْهُ يَا غُلَامُ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ
زَيْدٍ رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى
يُجَاوِزَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ فَأَجْلَسَنِي
عَلَى قَبْرٍ وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ إِنَّمَا كُرِهَ
ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ
1295 حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا
يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ
وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً
فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَقَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ
يَيْبَسَا
الشروح
- ص 264 - قوله : ( باب الجريدة
على القبر ) أي وضعها أو غرزها .
قوله : ( وأوصى
بريدة الأسلمي إلخ ) وقع في رواية الأكثر : " في قبره " . وللمستملي :
" على قبره " . وقد وصله ابن سعد من طريق مورق العجلي قال : أوصى بريدة أن
يوضع في قبره جريدتان ، ومات بأدنى خراسان . قال ابن المرابط وغيره : يحتمل أن يكون
بريدة أمر أن يغرزا في ظاهر القبر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وضعه الجريدتين
في القبرين ، ويحتمل أن يكون أمر أن يجعلا في داخل القبر لما في النخلة من البركة لقوله
تعالى : كشجرة طيبة ، والأول أظهر ، ويؤيده إيراد المصنف حديث القبرين
في آخر الباب ، وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ، ولم يره خاصا بذينك الرجلين . قال
ابن رشيد : ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما القول بالخصوصية هو الصواب ، لأن
الرسول عليه الصلاة والسلام لم يغرز الجريدة إلا على قبور علم تعذيب أهلها ، ولم يفعل
ذلك لسائر القبور ، ولو كان سنة لفعله بالجميع ، ولأن الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة
لم يفعلوا ذلك ، ولو كان مشروعا لبادروا إليه . أما ما فعله بريدة فهو اجتهاد منه ،
والاجتهاد يخطئ ويصيب ، والصواب مع ترك ذلك كما تقدم ، والله أعلم . فلذلك عقبه بقول
ابن عمر : " إنما يظله عمله " .
قوله : ( ورأى
ابن عمر فسطاطا على قبر عبد الرحمن ) الفسطاط بضم الفاء وسكون المهملة وبطاءين مهملتين
: هو البيت من الشعر ، وقد يطلق على غير الشعر ، وفيه لغات أخرى بتثليث الفاء وبالمثناتين
بدل الطاءين ، وإبدال الطاء الأولى مثناة ، وإدغامهما في السين وكسر أوله في الثلاثة
. وعبد الرحمن هو ابن أبي بكر الصديق ، بينه ابن سعد في روايته له موصولا من طريق أيوب
بن عبد الله بن يسار ، قال : مر عبد الله بن
- ص 265 - عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة ، وعليه فسطاط مضروب
، فقال : يا غلام ، انزعه ، فإنما يظله عمله . قال الغلام : تضربني مولاتي . قال :
كلا . فنزعه . ومن طريق ابن عون عن رجل هذا الأثر ضعيف من أجل الرجل المبهم ، وعلى
فرض صحته فالصواب ما فعله ابن عمر لعموم الأحاديث الدالة على تحريم البناء على القبور
، وهي تشمل بناء القباب وغيرها ، ولأن ذلك من وسائل الشرك بالمقبور ، فحرم فعله كسائر
وسائل الشرك ، والله أعلم . قال : قدمت عائشة ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن عبد الرحمن
بن أبي بكر ، فأمرت بفسطاط فضرب على قبره ووكلت به إنسانا وارتحلت ، فقدم ابن عمر
. فذكر نحوه . وقد تقدم توجيه إدخال هذا الأثر تحت هذه الترجمة .
قوله : ( وقال
خارجة بن زيد ) أي ابن ثابت الأنصاري أحد ثقات التابعين ، وهو أحد السبعة الفقهاء من
أهل المدينة إلخ . وصله المصنف في " التاريخ الصغير " من طريق ابن إسحاق
" حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري سمعت خارجة بن زيد " .
فذكره ، وفيه جواز تعلية القبر ورفعه عن وجه الأرض ، وقوله : " رأيتني "
بضم المثناة والفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد ، وهو من خصائص أفعال القلوب . ومظعون
والد عثمان بظاء معجمة ساكنة ، ثم مهملة ، ومناسبته من وجه أن وضع الجريد على القبر
يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض ، وسيأتي الكلام على هذه المسألة
في آخر الجنائز . قال ابن المنير في الحاشية : أراد البخاري أن الذي ينفع أصحاب القبور
هي الأعمال الصالحة ، وأن علو البناء والجلوس عليه وغير ذلك لا يضر بصورته ، وإنما
يضر بمعناه إذا تكلم القاعدون عليه بما يضر مثلا .
قوله : ( وقال
عثمان بن حكيم : أخذ بيدي خارجة ) أي ابن زيد بن ثابت إلخ . وصله مسدد في مسنده الكبير
، وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه : " حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا
عثمان بن حكيم ، حدثنا عبد الله بن سرجس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا
هريرة يقول : لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي ، أحب إلي من أن أجلس
على قبر . قال عثمان : فرأيت خارجة بن زيد في المقابر ، فذكرت له ذلك ، فأخذ بيدي
" الحديث . وهذا إسناد صحيح . وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة مرفوعا من طريق سهل
بن أبي صالح ، عن أبيه عنه ، وروى الطحاوي من طريق محمد بن كعب قال : إنما قال أبو
هريرة : من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط ، فكأنما جلس على جمرة ، لكن إسناده ضعيف
. قال ابن رشيد : الظاهر أن هذا الأثر والذي بعده من الباب الذي بعد هذا ، وهو :
" باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله " . وكأن بعض الرواة كتبه
في غير موضعه ، قال : وقد يتكلف له طريق يكون به من الباب ، وهي الإشارة إلى أن ضرب
الفسطاط إن كان لغرض صحيح كالتستر من الشمس مثلا للحي لا لإظلال الميت فقط جاز ، وكأنه
يقول : إذا أعلي القبر لغرض صحيح لا لقصد المباهاة جاز كما يجوز القعود عليه لغرض صحيح
، لا لمن أحدث عليه . قال : والظاهر أن المراد بالحدث هنا التغوط ، ويحتمل أن يريد
ما هو أعم من ذلك من إحداث ما لا يليق من الفحش قولا وفعلا لتأذي الميت بذلك . انتهى
. ويمكن أن يقال : هذه الآثار المذكورة في هذا الباب تحتاج إلى بيان مناسبتها للترجمة
، وإلى مناسبة بعضها لبعض ، وذلك أنه لم يذكر حكم وضع الجريدة ، وذكر أثر بريدة ، وهو
يؤذن بمشروعيتها ، ثم أثر ابن عمر المشعر
- ص 266 - بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر ، بل التأثير للعمل الصالح ، وظاهرهما
التعارض فلذلك أبهم حكم وضع الجريدة ، قاله الزين بن المنير . والذي يظهر من تصرفه
ترجيح الوضع ، ويجاب عن أثر ابن عمر بأن ضرب الفسطاط على القبر لم يرد فيه ما ينتفع
به الميت بخلاف وضع الجريدة لأن مشروعيتها ثبتت بفعله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان
بعض العلماء قال : إنها واقعة عين يحتمل أن تكون مخصوصة بمن أطلعه الله تعالى على حال
الميت ، وأما الآثار الواردة في الجلوس على القبر ، فإن عموم قول ابن عمر : "
إنما يظله عمله " يدخل فيه أنه كما لا ينتفع بتظليله ولو كان تعظيما له ، لا يتضرر
بالجلوس عليه ولو كان تحقيرا له . والله أعلم .
قوله : ( وقال
نافع : كان ابن عمر يجلس على القبور ) ووصله الطحاوي من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج
أن نافعا حدثه بذلك ، ولا يعارض هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه قال : لأن
أطأ على رضف أحب إلي من أن أطأ على قبر . وهذه من المسائل المختلف فيها ، وورد فيها
من صحيح الحديث ما أخرجه مسلم ، عن أبي مرثد الغنوي مرفوعا : لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها . قال النووي : المراد بالجلوس القعود عند الجمهور
. وقال مالك : المراد بالقعود الحدث ، وهو تأويل ضعيف أو باطل . انتهى . وهو يوهم انفراد
مالك بذلك ، وكذا أوهمه كلام ابن الجوزي حيث قال : جمهور الفقهاء على الكراهة خلافا
لمالك . وصرح النووي في " شرح المهذب " بأن مذهب أبي حنيفة كالجمهور ، وليس
كذلك ، بل مذهب أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك ، كما نقله عنهم الطحاوي واحتج له بأثر
ابن عمر المذكور ، وأخرج عن علي نحوه ، وعن زيد بن ثابت مرفوعا : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على
القبور لحدث غائط أو بول . ورجال إسناده ثقات
. ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعا : لا تقعدوا على القبور . وفي رواية له عنه : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على
قبر فقال : لا تؤذ صاحب القبر . إسناده صحيح
، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته ، ورد ابن حزم التأويل المتقدم
بأن لفظ حديث أبي هريرة عند مسلم : لأن يجلس
أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده
. قال : وما عهدنا أحدا يقعد على ثيابه للغائط ، فدل على أن المراد القعود على
حقيقته . وقال ابن بطال : التأويل المذكور بعيد ، لأن الحدث على القبر أقبح من أن يكره
، وإنما يكره الجلوس المتعارف ويؤيده ما ذهب إليه الجمهور من النهي عن القعود على القبور
مطلقا ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر
وأن يقعد عليه وأن يبنى " . وهذا الحديث
الصحيح وما جاء في معناه يدل على تحريم تجصيص القبور والبناء عليها ، لأن ذلك من تعظيمها
وهو من وسائل الشرك ، كما وقع ذلك في كثير من الأمصار . فالواجب على أهل العلم وعلى
جميع المسلمين إنكاره والتحذير منه . وإذا كان البناء على القبر مسجدا صارت المصيبة
أعظم ، والوسيلة به إلى الشرك أظهر ، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
لعن من اتخذ القبور مساجد . وقال عليه الصلاة والسلام : ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم
وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك .
قوله : ( حدثنا
يحيى ) قال أبو علي الجياني : لم أره منسوبا لأحد من المشايخ . قلت : قد نسبه أبو نعيم
في " المستخرج " يحيى بن جعفر ، وجزم أبو مسعود في " الأطراف
" وتبعه المزي بأنه يحيى بن يحيى ، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه ، عن الفربري
: " حدثنا يحيى بن موسى " . وهذا هو المعتمد . وقد تقدم الكلام على حديث
ابن عباس في كتاب الوضوء بما فيه مقنع بعون الله تعالى . والله أعلم .