Friday, 21 August 2015

سورة الأنعام آية 0001 - 00606 ت - تفسير مفاتيح الغيب التفسير الكبير - تفسير الرازي



* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

اعلم أن الكلام المستقصى في قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } قد سبق في تفسير سورة الفاتحة، ولا بأس بأن نعيد بعض تلك الفوائد، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في الفرق بين المدح والحَمْد والشُّكْر.
اعلم أن المدح أعم من الحمد، والحمد أعم من الشكر.
أما بيان أن المدح أعم من الحمد، فلأن المدح يحصل للعاقل ولغير العاقل، ألا ترى أنه كما يحسن مدح الرجل العاقل على أنواع فضائله، فكذلك قد يمدح اللؤلؤ لحسن شكله ولطافة خلقته، ويمدح الياقوت على نهاية صفائه وصقالته! فيقال: ما أحسنه وما أصفاه، وأما الحمد: فانه لا يحصل إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإنعام والإحسان، فثبت أن المدح أعم من الحمد.
وأما بيان أن الحمد أعم من الشكر، فلأن الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام سواء كان ذلك الإنعام واصلاً إليك أو إلى غيرك، وأما الشكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك وحصل عندك. فثبت بما ذكرنا أن المدح أعم من الحمد، وهو أعم من الشكر.
إذا عرفت هذا فنقول: إنما لم يقل المدح لله ولأنا بينا أن المدح كما يحصل للفاعل المختار، فقد يحصل لغيره. أما الحمد فانه لا يحصل إلا للفاعل المختار. فكان قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } تصريحاً بأن المؤثر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة والمشيئة وليس علة موجبة له إيجاب العلة لمعلولها، ولا شك أن هذه الفائدة عظيمة في الدين وإنما لم يقل الشكر لله، لأنا بينا أن الشكر عبارة عن تعظيمة بسبب انعام صدر منه ووصل إليك، وهذا مشعر بأن العبد إذا ذكر تعظيمه بسبب ما وصل إليه من النعمة فحينئذ يكون المطلوب الأصلي به وصول النعمة إليه وهذه درجة حقيرة، فأما إذا قال: الحمد لله، فهذا يدل على أن العبد حمده لأجل كونه مستحقاً للحمد لا لخصوص أنه تعالى أوصل النعمة إليه، فيكون الاخلاص أكمل، واستغراق القلب في مشاهدة نور الحق أتم، وانقطاعه عما سوى الحق أقوى وأثبت.
المسألة الثانية: الحمد: لفظ مفرد محلى بالألف واللام فيفيد أصل الماهية.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } يفيد أن هذه الماهية لله، وذلك يمنع من ثبوت الحمد لغير الله، فهذا يقتضي أن جميع أقسام الحمد والثناء والتعظيم ليس إلا لله سبحانه.
فإن قيل: إن شكر المُنْعِم واجب، مثل شكر الأستاذ على تعليمه، وشكر السلطان على عدله، وشكر المحسن على إحسانه، كما قال عليه الصلاة والسلام: " من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". قلنا: المحمود والمشكور في الحقيقة ليس إلا الله، وبيانه من وجوه: الأول: صدور الاحسان من العبد يتوقف على حصول داعية الاحسان في قلب العبد، وحصول تلك الداعية في القلب ليس من العبد، وإلا لافتقر في حصولها إلى داعية أخرى ولزم التسلسل، بل حصولها ليس إلا من الله سبحانه فتلك الداعية عند حصولها يجب الفعل، وعند زوالها يمتنع الفعل فيكون المحسن في الحقيقة ليس إلا الله، فيكون المستحق لكل حمد في الحقيقة هو الله تعالى.
وثانيها: أن كل من أحسن من المخلوقين إلى الغير، فإنه إنما يقدم على ذلك الإحسان إما لجلب منفعة أو دفع مضرة، أما جلب المنفعة: فانه يطمع بواسطة ذلك الإحسان بما يصير سبباً لحصول السرور في قلبه أو مكافأة بقليل أو كثير في الدنيا أو وجدان ثواب في الآخرة. وأما دفع المضرة، فهو أن الإنسان إذا رأى حيواناً في ضر أو بلية فإنه يرق قلبه عليه، وتلك الرقة ألم مخصوص يحصل في القلب عند مشاهدة وقوع ذلك الحيوان في تلك المضرة فإذا حاول إنقاذ ذلك الحيوان من تلك المضرة زالت تلك الرقة عن القلب وصار فارغ القلب طيب الوقت، فذلك الإحسان كأنه سبب أفاد تخليص القلب عن ألم الرقة الحسيّة، فثبت أن كل ما سوى الحق فإنه يستفيد بفعل الإحسان إما جلب منفعة أو دفع مضرة، أما الحق سبحانه وتعالى، فإنه يحسن ولا يستفيد منه جلب منفعة ولا دفع مضرة، وكان المحسن الحقيقي ليس إلا الله تعالى، فبهذا السبب كان المستحق لكل أقسام الحمد هو الله، فقال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } وثالثها: أن كل إحسان يقدم عليه أحد من الخلق فالانتفاع به لا يكمل إلا بواسطة إحسان الله، ألا ترى أنه لولا أن الله تعالى خلق أنواع النعمة وإلا لم يقدر الإنسان على إيصال تلك الحنطة والفواكه إلى الغير، وأيضاً فلولا أنه سبحانه أعطى الإنسان الحواس الخمس التي بها يمكنه الانتفاع بتلك النعم وإلا لعجز عن الانتفاع بها. ولولا أنه سبحانه أعطاه المزاج الصحيح والبنية السليمة وإلا لما أمكنه الانتفاع بها، فثبت أن كل إحسان يصدر عن محسن سوى الله تعالى، فإن الانتفاع به لا يكمل إلا بواسطة إحسان الله تعالى. وعند هذا يظهر أنه لا محسن في الحقيقة إلا الله، ولا مستحق للحمد إلا الله. فلهذا قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ورابعها: أن الانتفاع بجميع النعم لا يمكن إلا بعد وجود المنتفع بعد كونه حياً قادراً عالماً، ونعمة الوجود والحياة والقدرة والعلم ليست إلا من الله سبحانه والتربية الأصلية والأرزاق المختلفة لا تحصل إلا من الله سبحانه من أول الطفولية إلى آخر العمر. ثم إذا تأمل الإنسان في آثار حكمة الرحمٰن في خلق الإنسان ووصل إلى ما أودع الله تعالى في أعضائه من أنواع المنافع والمصالح علم أنها بحر لا ساحل له، كما قال تعالى:
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
[إبراهيم: 34] فبتقدير: أن نسلم أن العبد يمكنه أن ينعم على الغير إلا أن نعم العبد كالقطرة، ونعم الله لا نهاية لها أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً فلهذا السبب كان المستحق للحمد المطلق والثناء المطلق ليس إلا الله سبحانه فلهذا قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }.
المسألة الثالثة: إنما قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ولم يقل: أحمد الله، لوجوه: أحدها: أن الحمد صفة القلب وربما احتاج الإنسان إلى أن يذكر هذه اللفظة حال كونه غافلاً بقلبه عن استحضار معنى الحمد والثناء، فلو قال في ذلك الوقت أحمد الله، كان كاذباً واستحق عليه الذم والعقاب، حيث أخبر عن دعوى شيء مع أنه ما كان موجوداً. أما إذا قال: الحمد لله، فمعناه: أن ماهية الحمد وحقيقته مسلمة لله تعالى. وهذا الكلام حق وصدق سواء كان معنى الحمد والثناء حاضراً في قلبه أو لم يكن، وكان تكلمه بهذا الكلام عبادة شريفة وطاعة رفيعة فظهر الفرق بين هذين اللفظين. وثانيها: روي أنه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يأمره بالشكر، فقال داود: يا رب وكيف أشكرك؟ وشكري لك لا يحصل إلا أن توفقني لشكرك وذلك التوفيق نعمة زائدة وإنها توجب الشكر لي أيضاً وذلك يجر إلى ما لا نهاية له ولا طاقة لي بفعل ما لا نهاية له. فأوحى الله تعالى إلى داود: لما عرفت عجزك عن شكري فقد شكرتني.
إذا عرفت هذا فنقول: لو قال العبد أحمد الله كان دعوى أنه أتى بالحمد والشكر فيتوجه عليه ذلك السؤال. إنما لو قال: الحمد لله فليس فيه ادعاء أن العبد أتى بالحمد والثناء، بل ليس فيه إلا أنه سبحانه مستحق للحمد والثناء سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه فظهر التفاوت بين هذين اللفظين من هذا الوجه، وثالثها: أنه لو قال أحمد الله كان ذلك مشعراً بأنه ذكر حمد نفسه ولم يذكر حمد غيره. أما إذا قال: الحمد لله، فقد دخل فيه حمده وحمد غيره من أول خلق العالم إلى آخر استقرار المكلفين في درجات الجنان ودركات النيران، كما قال تعالى:
وآخردَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }
[يونس: 10] فكان هذا الكلام أفضل وأكمل.
المسألة الرابعة: اعلم أن هذه الكلمة مذكورة في أول سور خمسة. أولها: الفاتحة، فقال:
ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }
[الفاتحة: 2] وثانيها: في تأويل هذه السورة، فقال:
ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ }
[الأنعام: 1] والأول أعم لأن العالم عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، فقوله { الحمد لله ربّ العالمين } يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى. أما قوله الحمد لله ربّ العالمين يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى. أما قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } لا يدخل فيه إلا خلق السموات والأرض والظلمات والنور، ولا يدخل فيه سائر الكائنات والمبدعات، فكان التحميد المذكور في أول هذه السورة كأنه قسم من الأقسام الداخلة تحت التحميد المذكور في سورة الفاتحة.
وتفصيل لتلك الجملة. وثالثها: سورة الكهف، فقال:
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ }
[الكهف: 1] وذلك أيضاً تحميد مخصوص بنوع خاص من النعمة وهو نعمة العلم والمعرفة والهداية والقرآن، وبالجملة النعم الحاصلة بواسطة بعثة الرسل، ورابعها: سورة سبأ وهي قوله
ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ }
[سبأ: 1] وهو أيضاً قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وخامسها: سورة فاطر، فقال:
ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْض }
[فاطر: 1] وظاهر أيضاً أنه قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فظهر أن الكلام الكلي التام هو التحميد المذكور في أول الفاتحة وهو قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وذلك لأن كل موجود فهو إما واجب الوجود لذاته، وإما ممكن الوجود لذاته. وواجب الوجود لذاته واحد وهو الله سبحانه وتعالى وما سواه ممكن وكل ممكن فلا يمكن دخوله في الوجود إلا بإيجاد الله تعالى وتكوينه والوجود نعمة فالإيجاد إنعام وتربية، فلهذا السبب قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وأنه تعالى المربي لكل ما سواه والمحسن إلى كل ما سواه. فذلك الكلام هو الكلام الكلي الوافي بالمقصود. أما التحميدات المذكورة في أوائل هذه السور فكان كل واحد منها قسم من أقسام ذلك التحميد ونوع من أنواعه.
فإن قيل: ما الفرق بين الخالق وبين الفاطر والرب؟ وأيضاً لم قال ههنا { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } بصيغة فعل الماضي؟ وقال في سورة فاطر { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } بصيغة اسم الفاعل.
فنقول في الجواب عن الأول: الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الحق سبحانه عبارة عن علمه النافذ في جميع الكليات والجزئيات الواصل إلى جميع ذوات الكائنات والممكنات وأما كونه فاطراً فهو عبارة عن الإيجاد والابداع، فكونه تعالى خالقاً إشارة إلى صفة العلم، وكونه فاطراً إشارة إلى صفة القدرة، وكونه تعالى رباً ومربياً مشتمل على الأمرين، فكان ذلك أكمل.
والجواب عن الثاني: أن الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الله تعالى عبارة عن علمه بالمعلومات، والعلم بالشيء صح تقدمه على وجود المعلوم. ألا ترى أنه يمكننا أن نعلم الشيء قبل دخوله في الوجود. أما إيجاد الشيء، فإنه لا يحصل إلا حال وجود الأثر بناء على مذهبنا أن القدرة إنما تؤثر في وجود المقدور حال وجود المقدور. فلهذا السبب قال: { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } والمراد أنه كان عالماً بها قبل وجودها، وقال: { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } والمراد أنه تعالى إنما يكون فاطراً لها وموجداً لها عند وجودها.
المسألة الخامسة: في قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } قولان: الأول: المراد منه احمدوا الله تعالى، وإنما جاء على صيغة الخبر لفوائد: إحداها: أن قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } يفيد تعليم اللفظ والمعنى، ولو قال: احمدوا لم يحصل مجموع هاتين الفائدتين. وثانيها: أنه يفيد أنه تعالى مستحق الحمد سواء حمده حامد أو لم يحمده. وثالثها: أن المقصود منه ذكر الحجة فذكره بصيغة الخبر أولى.
والقول الثاني: وهو قول أكثر المفسرين معناه قولوا الحمد لله. قالوا: والدليل على أن المراد منه تعليم العباد أنه تعالى قال في أثناء السورة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وهذا الكلام لا يليق ذكره إلا بالعباد. والمقصود أنه سبحانه لما أمر بالحمد وقد تقرر في العقول أن الحمد لا يحسن إلا على الإنعام، فحينئذ يصير هذا الأمر حاملاً للمكلف على أن يتفكر في أقسام نعم الله تعالى عليه. ثم إن تلك النعم يستدل بذكرها على مقصودين شريفين: أحدهما: أن هذه النعم قد حدثت بعد أن كانت معدومة فلا بدّ لها من محدث ومحصل وليس ذلك هو العبد لأن كل أحد يريد تحصيل جميع أنواع النعم لنفسه، فلو كان حصول النعم للعبد بواسطة قدرة العبد واختياره، لوجب أن يكون كل واحد واصلأً إلى جميع أقسام النعم إذ لا أحد إلا وهو يريد تحصيل كل النعم لنفسه، ولما ثبت أنه لا بدّ لحدوث هذه النعم من محدث وثبت أن ذلك المحدث ليس هو العبد، فوجب الاقرار بمحدث قاهر قادر، وهو الله سبحانه وتعالى.
والنوع الثاني: من مقاصد هذه الكلمة أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها فإذا أمر الله تعالى العبد بالتحميد، وكان الأمر بالتحميد مما يحمله على تذكر أنواع نعم الله تعالى، صار ذلك التكليف حاملاً للعبد على تذكر أنواع نعم الله عليه، ولما كانت تلك النعم كثيرة خارجة عن الحد والاحصاء، صار تذكر تلك النعم موجبة رسوخ حب الله تعالى في قلب العبد. فثبت أن تذكيرالنعم يفيد هاتين الفائدتين الشريفتين. إحداهما: الاستدلال بحدوثها عن الاقرار بوجود الله تعالى. وثانيهما: أن الشعور بكونها نعماً يوجب ظهور حب الله في القلب، ولا مقصود من جميع العبادات إلا هذان الأمران. فلهذا السبب وقع الابتداء في هذا الكتاب الكريم بهذه الكلمة، فقال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }.
واعلم أن هذه الكلمة بحر لا ساحل له، لأن العالم اسم لكل ما سوى الله تعالى، وما سوى الله إما جسم أو حال فيه أو لا جسم ولا حال فيه، وهو الأرواح. ثم الأجسام إما فلكية، وإما عنصرية. أما الفلكيات فأولها العرش المجيد، ثم الكرسي الرفيع. ويجب على العاقل أن يعرف أن العرش ما هو، وأن الكرسي ما هو، وأن يعرف صفاتهما وأحوالهما، ثم يتأمل أن اللوح المحفوظ، والقلم والرفرف، والبيت المعمور، وسدرة المنتهى ما هي، وأن يعرف حقائقها، ثم يتفكر في طبقات السموات وكيفية اتساعها وأجرامها وأبعادها، ثم يتأمل في الكواكب الثابتة والسيارة، ثم يتأمل في عالم العناصر الأربعة والمواليد الثلاثة وهي المعادن والنبات والحيوان، ثم يتأمل في كيفية حكمة الله تعالى في خلقه الأشياء الحقيرة والضعيفة كالبق والبعوض، ثم ينتقل منها إلى معرفة أجناس الأعراض وأنواعها القريبة والبعيدة، وكيفية المنافع الحاصلة من كل نوع من أنواعها، ثم ينتقل منها إلى تعرف مراتب الأرواح السفلية والعلوية والعرشية والفلكية، ومراتب الأرواح المقدسة عن علائق الأجسام المشار إليها بقوله
وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ }
[الأنبياء: 19] فإذا استحضر مجموع هذه الأشياء بقدر القدرة والطاقة، فقد حضر في عقله ذرة من معرفة العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى. ثم عند هذا يعرف أن كل ما حصل لها من الوجود وكمالات الوجود في ذواتها من صفاتها وأحوالها وعلائقها، فمن إيجاد الحق ومن جوده ووجوده، فعند هذا يعرف من معنى قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ذرة، وهذا بحر لا ساحل له، وكلام لا آخر له والله أعلم.
المسألة السادسة: إنا وإن ذكرنا أن قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أُجري مجرى قوله قولوا: الحمد لله ربّ العالمين فإنما ذكرناه لأن قوله في أثناء السورة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لا يليق إلا بالعبد فلهذا السبب افتقرنا هناك إلى هذا الاضمار. أما هذه السورة وهي قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } فلا يبعد أن يكون المراد منه ثناء الله تعالى به على نفسه.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن هذا يدل من بعض الوجوه، على أنه تعالى منزّه عن الشبيه في اللذات والصفات والأفعال وذلك لأن قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } جار مجرى مدح النفس وذلك قبيح في الشاهد، فلما أمرنا بذلك دلّ هذا على أنه لا يمكن قياس الحق على الخلق، فكما أن هذا قبيح من الخلق مع أنه لا يقبح من الحق، فكذلك ليس كل ما يقبح من الخلق وجب أن يقبح من الحق. وبهذا الطريق وجب أن يبطل كلمات المعتزلة في أن ما قبح منا وجب أن يقبح من الله.
إذا عرفت بهذا الطريق أن أفعاله لا تشبه أفعال الخلق، فكذلك صفاته لا تشبه صفات الخلق، وذاته لا تشبه ذوات الخلق، وعند هذا يحصل التنزيه المطلق والتقديس الكامل عن كونه تعالى مشابهاً لغيره في الذات والصفات والأفعال، فهو الله سبحانه واحد في ذاته، لا شريك له في صفاته، ولا نظير له واحد في أفعاله لا شبيه له تعالى وتقدس والله أعلم.
أما قوله سبحانه { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } ففيه مسألتان: الأولى: في السؤالات المتوجهة على هذه الآية وهي ثلاثة:
السؤال الأول: أن قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } جار مجرى ما يقال: جاءني الرجل الفقيه.
فإن هذا يدل على وجود رجل آخر ليس بفقيه، وإلا لم يكن إلى ذكر هذه الصفة حاجة كذا ههنا قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } يوهم أن هناك إلهاً لم يخلق السموات والأرض، وإلا فأي فائدة في هذه الصفة؟
والجواب: أنا بينا أن قوله (الله) جار مجرى اسم العلم. فإذا ذكر الوصف لاسم العلم لم يكن المقصود من ذكر الوصف التمييز، بل تعريف كون ذلك المعنى المُسَمّى، موصوفاً بتلك الصفة. مثاله إذا قلنا الرجل العالم، فقولنا: الرجل اسم الماهية، والماهية تتناول الأشخاص المذكورين الكثيرين. فكان المقصود ههنا من ذكر الوصف تمييز هذا الرجل بهذا الاعتبار عن سائر الرجال بهذه الصفة. أما إذا قلنا: زيد العالم، فلفظ زيد اسم علم، وهو لا يفيد إلا هذه الذات المعينة، لأن أسماء الأعلام قائمة مقام الإشارات. فإذا وصفناه بالعلمية امتنع أن يكون المقصود منه تمييز ذلك الشخص عن غيره، بل المقصود منه تعريف كون ذلك المسمى موصوفاً بهذه الصفة. ولما كان لفظ (الله) من باب أسماء الأعلام، لا جرم كان الأمر على ما ذكرناه والله أعلم.
السؤال الثاني: لم قدم ذكر السماء على الأرض، مع أن ظاهر التنزيل يدل على أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء؟ والجواب: السماء كالدائرة، والأرض كالمركز، وحصول الدائرة يوجب تعين المركز ولا ينعكس، فإن حصول المركز لا يوجب تعين الدائرة لإمكان أن يحيط بالمركز الواحد دوائر لا نهاية لها، فلما كانت السماء متقدمة على الأرض بهذا الاعتبار وجب تقديم ذكر السماء على الأرض بهذا الاعتبار.
السؤال الثالث: لم ذكر السماء بصيغة الجمع والأرض بصيغة الواحد مع أن الأرضين أيضاً كثيرة بدليل قوله تعالى
وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ }
[الطلاق: 12].
والجواب: أن السماء جارية مجرى الفاعل والأرض مجرى القابل. فلو كانت السماء واحدة لتشابه الأثر، وذلك يخل بمصالح هذا العالم. أما لو كانت كثيرة اختلفت الاتصالات الكوكبية فحصل بسببها الفصول الأربعة، وسائر الأحوال المختلفة، وحصل بسبب تلك الاختلافات مصالح هذا العالم. أما الأرض فهي قابلة للأثر والقابل الواحد كاف في القبول، وأما دلالة الآية المذكورة على تعدد الأرضين فقد بينا في تفسير تلك الآية كيفية الحال فيها والله أعلم.
المسألة الثانية: اعلم أن المقصود من هذه الآية ذكر الدلالة على وجود الصانع. وتقريره أن أجرام السموات والأرض تقدرت في أمور مخصوصة بمقادير مخصوصة، وذلك لا يمكن حصوله إلا بتخصيص الفاعل المختار. أما بيان المقام الأول فمن وجوه: الأول: أن كل فلك مخصوص اختص بمقدار معين مع جواز أن يكون الذي كان حاصلاً مقداراً أزيد منه أو أنقص منه.
والثاني: أن كل فلك بمقدار مركب من أجزاء، والجزء الداخل كان يمكن وقوعه خارجاً وبالعكس. فوقوع كل واحد منها في حيزه الخاص أمر جائز. والثالث: أن الحركة والسكون جائزان على كل الأجسام بدليل أن الطبيعة الجسمية واحدة. ولوازم الأمور الواحدة واحدة. فإذا صح السكون والحركة على بعض الأجسام وجب أن يصحا على كلها:فاختصاص الجسم الفلكي بالحركة دون السكون اختصاص بأمر ممكن. والرابع: أن كل حركة، فإنه يمكن وقوعها أسرع مما وقع وأبطأ مما وقع، فاختصاص تلك الحركة المعينة بذلك القدر المعين من السرعة والبطء اختصاص بأمر ممكن. والخامس: أن كل حركة، وقعت متوجهة إلى جهة، فإنه يمكن وقوعها متوجهة إلى سائر الجهات. فاختصاصها بالوقوع على ذلك الوجه الخاص اختصاص بأمر ممكن. والسادس: أن كل فلك فإنه يوجد جسم آخر إما أعلى منه وإما أسفل منه، وقد كان وقوعه على خلاف ذلك الترتيب أمراً ممكناً، بدليل أن الأجسام لما كانت متساوية في الطبيعة الجسمية، فكل ما صحّ على بعضها صح على كلها، فكان اختصاصه بذلك الحيز والترتيب أمراً ممكناً. والسابع: وهو أن لحركة كل فلك أولاً، لأن وجو، حركة لا أول لها محال. لأن حقيقة الحركة انتقال من حالة إلى حالة. وهذا الانتقال يقتضي كونها مسبوقة بالغير. والأول ينافي المسبوقية بالغير، والجمع بينهما محال. فثبت أن لكل حركة أولاً، واختصاص ابتداء حدوثه بذلك الوقت، دون ما قبله وما بعده اختصاص بأمر ممكن. والثامن: هو أن الأجسام، لما كانت متساوية في تمام الماهية كان اتصاف بعضها بالفلكية وبعضها بالعنصرية دون العكس، اختصاصاً بأمر ممكن. والتاسع: وهو أن حركاتها فعل لفاعل مختار، ومتى كان كذلك فلها أول. بيان المقام الأول أن المؤثر فيها لو كان علة موجبة بالذات لزم من دوام تلك العلة دوام آثارها، فيلزم من دوام تلك العلة، دوام كل واحد من الأجزاء المتقومة في هذه الحركة. ولما كان ذلك محالاً ثبت أن المؤثر فيها ليس علة موجبة بالذات، بل فاعلاً مختاراً. وإذا كان كذلك، وجب كون ذلك الفاعل متقدماً على هذه الحركات، وذلك يوجب أن يكون لها بداية. العاشر: أنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له بدليل أنا نعلم بالضرورة أنا لو فرضنا أنفسنا واقفين على طرف الفلك الأعلى فإنا نميز بين الجهة التي تلي قدامنا وبين الجهة التي تلي خلفنا، وثبوت هذا الامتياز معلوم بالضرورة. وإذا كان كذلك ثبت أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له، وإذا كان كذلك فحصول هذا العالم في هذا الحيز الذي حصل فيه دون سائر الأحياز أمر ممكن، فثبت بهذه الوجوه العشرة: أن أجرام السموات والأرضين مختلفة بصفات وأحوال، فكان يجوز في العقل حصول أضدادها ومقابلاتها، فوجب أن لا يحصل هذا الاختصاص الخاص إلا لمرجح ومقدر وإلا فقد ترجح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وهو محال.
وإذا ثبت هذا فنقول: إنه لا معنى للخلق إلا التقدير. فلما دل العقل على حصول التقدير من هذه الوجوه العشرة، وجب حصول الخلق من هذه الوجوه العشرة. فلهذا المعنى. قال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } والله أعلم، ومن الناس من قال المقصود من ذكر السموات والأرض والظلمات والنور التنبيه على ما فيها من المنافع.
واعلم أن منافع السموات أكثر من أن تحيط بجزء من أجزائها المجلدات، وذلك لأن السموات بالنسبة إلى مواليد هذا العالم جارية مجرى الأب والأرض بالنسبة إليها جارية مجرى الأم فالعلل الفاعلة سماوية والعلل القابلة أرضية وبها يتم أمر المواليد الثلاثة. والاستقصاء في شرح ذلك لا سبيل له.
أما قوله { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } ففيه مسائل:
المسألة الأولى: لفظ { جَعَلَ } يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله تعالى: { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله
وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً }
[الزخرف: 19] والفرق بين الخلق والجعل أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي الجعل معنى التضمين والتصيير كإنشاء شيء من شيء، وتصيير شيء شيئاً، ومنه: قوله تعالى:
وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }
[الأعراف: 189] وقوله
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا }
[الرعد: 38] وقوله
أَجَعَلَ ٱلأَلِهَةَ إلٰهاَ وٰحِداً }
[ص: 5] وإنما حسن لفظ الجعل ههنا لأن النور والظلمة لما تعاقبا صار كأنه كل واحد منهما إنما تولد من الآخر.
المسألة الثانية: في لفظ { ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ } قولان: الأول: أن المراد منهما الأمران المحسوسان بحس البصر والذي يقوي ذلك أن اللفظ حقيقة فيهما. وأيضاً هذان الأمران إذا جعلا مقرونين بذكر السموات والأرض، فإنه لا يفهم منهما إلا هاتان الكيفيتان المحسوستان والثاني: نقل الواحدي عن ابن عباس أنه قال { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } أي ظلمة الشرك والنفاق والكفر والنور يريد نور الإسلام والإيمان والنبوّة واليقين. ونقل عن الحسن أنه قال: يعني الكفر والإيمان، ولا تفاوت بين هذين القولين، فكان قول الحسن كالتلخيص لقول ابن عباس. ولقائل أن يقول حمل اللفظ على الوجه الأول أولى، لما ذكرنا أن الأصل حمل اللفظ على حقيقته، ولأن الظلمات والنور إذا كان ذكرهما مقروناً بالسموات والأرض لم يفهم منه إلا ما ذكرناه. قال الواحدي: والأولى حمل اللفظ عليهما معاً. وأقول هذا مشكل لأنه حمل اللفظ على مجازه، واللفظ الواحد بالاعتبار الواحد لا يمكن حمله على حقيقته ومجازه معاً.
المسألة الثالثة: إنما قدم ذكر الظلمات على ذكر النور لأجل أن الظلمة عبارة عن عدم النور عن الجسم الذي من شأنه قبول النور، وليست عبارة عن كيفية وجودية مضادة للنور، والدليل عليه أنه إذا جلس إنسان بقرب السراج، وجلس إنسان آخر بالبعد منه، فإن البعيد يرى القريب ويرى ذلك الهواء صافياً مضيئاً، وأما القريب فإنه لا يرى البعيد ويرى ذلك الهواء مظلماً، فلو كانت الظلمة كيفية وجودية لكانت حاصلة بالنسبة إلى هذين الشخصين المذكورين، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن الظلمة ليست كيفية وجودية.
وإذ ثبت هذا فنقول: عدم المحدثات متقدم على وجودها، فالظلمة متقدمة في التقدير والتحقق على النور، فوجب تقديمها في اللفظ، ومما يقوي ذلك ما يروى في الأخبار الإلهية أنه تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره.
المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: لم ذكر الظلمات بصيغة الجمع، والنور بصيغة الواحد؟ فنقول: أما من حمل الظلمات على الكفر والنور على الإيمان، فكلامه ههنا ظاهر، لأن الحق واحد والباطل كثير، وأما من حملها على الكيفية المحسوسة، فالجواب: أن النور عبارة عن تلك الكيفية الكاملة القوية، ثم إنها تقبل التناقص قليلاً قليلاً، وتلك المراتب كثيرة. فلهذا السبب عبّـر عن الظلمات بصيغة الجمع.
أما قوله تعالى: { ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ }
فأعلم أن العدل هو التسوية. يقول: عدل الشيء بالشيء إذا سواه به، ومعنى { يَعْدِلُونَ } يشركون به غيره.
فإن قيل: على أي شيء عطف قوله { ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ }
قلنا: يحتمل أن يكون معطوفاً على قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } على معنى أن الله حقيق بالحمد على كل ما خلق لأنه ما خلقه إلا نعمة { ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ } فيكفرون بنعمته، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } على معنى أن خلق هذه الأشياء العظيمة التي لا يقدر عليها أحد سواه، ثم إنهم يعدلون به جماداً لا يقدر على شيء أصلاً.
فإن قيل: فما معنى ثم؟
قلنا: الفائدة فيه استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، والله أعلم.