*
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق
{ وَأَنَّهُ لَمَّا
قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }
* { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ
أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً }
قوله تعالى: { وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ
ٱللَّهِ يَدْعُوهُ } يجوز الفتح؛ أي أوحى الله إليه أنه. ويجوز الكسر على
الاستئناف. و«عبد الله» هنا محمد صلى الله عليه وسلم حين كان يصلّي ببطن نخلة
ويقرأ القرآن، حَسْب ما تقدّم أوّل السورة. { يَدْعُوهُ } أي يعبده. وقال ٱبن
جُريج: «يَدْعُوه» أي قام إليهم داعياً إلى الله تعالى. { كَادُواْ يَكُونُونَ
عَلَيْهِ لِبَداً } قال الزبير بن العوّام: هم الجنّ حين ٱستمعوا القرآن من النبيّ
صلى الله عليه وسلم. أي كاد يركب بعضهم بعضاً ٱزدحاماً ويسقطون، حرصاً على سماع
القرآن. وقيل: كادوا يركبونه حرصاً؛ قاله الضحاك. ٱبن عباس: رغبة في سماع الذكر.
وروى بُرْد عن مكحول: أن الجنّ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة
وكانوا سبعين ألفاً، وفرغوا من بيعته عند ٱنشقاق الفجر. وعن ٱبن عباس أيضاً: إن
هذا من قول الجنّ لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبيّ صلى
الله عليه وسلم وٱئتمامهم به في الركوع والسجود. وقيل: المعنى كاد المشركون يركبون
بعضهم بعضاً، حَرداً على النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن وقتادة وٱبن زيد:
يعني { لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } محمد بالعدوة تَلبّدت الإنس والجنّ على هذا
الأمر ليطفئوه، وأَبَى الله إلا أن ينصره ويتم نوره. وٱختار الطبريّ أن يكون
المعنى: كادت العرب يجتمعون على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويتظاهرون على إطفاء
النور الذي جاء به. وقال مجاهد: قوله «لِبَداً» جماعات وهو من تَلَبُّد الشيء على
الشيء أي تجمع، ومنه اللِّبْد الذي يفرش لتراكم صوفه، وكل شيء ألصقته إلصاقاً
شديداً فقد لبّدته، وجمع اللِّبدة لِبَد مثل قِربة وقِرب. ويقال للشَّعر الذي على
ظهر الأسد لِبدة وجمعها لِبد؛ قال زهير:
لَدى أَسَدٍ شاكِي
السِّلاحِ مُقَذّفٍ
|
|
له لِبَدٌ أَظْفَارُهُ
لم تقَلَّمِ
|
يقال للجراد الكثير: لِبد. وفيه أربع لغات
وقراءات؛ فتح الباء وكسر اللام، وهي قراءة العامة. وضم اللام وفتح الباء، وهي
قراءة مجاهد وٱبن مُحَيْصن وهشام عن أهل الشام، واحدتها لُبْدة. وبضم اللام
والباء، وهي قراءة أبي حَيْوة ومحمد بن السَّمَيْقَع وأبي الأشهب العُقَيلي
والجَحْدري واحدها لَبْد مثل سَقْفٍ ورَهْن ورُهُن. وبضم اللام وشدّ الباء وفتحها،
وهي قراءة الحسن وأبي العالية والأعرج والجَحْدري أيضاً واحدها لابِد؛ مثل راكِع
ورُكَّع، وساجِد وسُجَّد. وقيل: اللُّبَد بضم اللام وفتح الباء الشيء الدائم؛ ومنه
قيل لنَسر لقمان لُبَد لدوامه وبقائه؛ وقال النابغة:
أَخْنَـى عليها الذي
أَخْنَـى على لُبَدِ
|
|
القشيريّ: وقرىء «لُبُدا» بضم اللام والباء، وهو
جمع لَبِيد، وهو الجَوْلَق الصغير. وفي الصحاح: (وقوله تعالى)
{ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً }
[البلد: 6] أي جَمًّا. ويقال أيضاً: الناس لُبَد أي مجتمعون، واللُّبَد أيضاً الذي لا يسافر ولا يبرح منزله.
{ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً }
[البلد: 6] أي جَمًّا. ويقال أيضاً: الناس لُبَد أي مجتمعون، واللُّبَد أيضاً الذي لا يسافر ولا يبرح منزله.
قال الشاعر:
مِن ٱمرىءٍ ذِي سَماحٍ
لا تَزالُ لَهُ
|
|
بَزْلاءُ يَعْيَا بِها
الجَثَّامَة اللبَدُ
|
ويروى: اللَّبِد. قال أبو عُبيد: وهو أشبه.
والبزلاء: الرأي الجيّد. وفلان نهاض ببزلاء: إذا كان ممن يقوم بالأمور العظام؛ قال الشاعر:
والبزلاء: الرأي الجيّد. وفلان نهاض ببزلاء: إذا كان ممن يقوم بالأمور العظام؛ قال الشاعر:
إنِّي إذا شَغَلَتْ
قوماً فُرُوجُهُمُ
|
|
رَحْبُ المَسَالِكِ
نَهَّاضٌ بِبَزْلاَءِ
|
ولُبَد: آخر نسور لقمان، وهو ينصرف؛ لأنه ليس
بمعدول. وتزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها،
فلما أهلكوا خُيّر لقمان بين بقاء سبع بَعَرات سُمْر، مِن أَظْبٍ عُفْرٍ، لا
يَمسها القَطْر؛ أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نَسر خلف بعده نَسر، فٱختار النُّسور،
وكان آخر نُسوره يسمى لُبَدا، وقد ذكرته الشعراء؛ قال النابغة:
أَضْحَت خَلاَءً
وأَمْسَى أَهْلُها ٱحْتَمَلوا
|
|
أَخْنَى عليها الّذي
أَخْنَى على لُبَدِ
|
وَاللّبِيد: الجُوَالق الصغير؛ يقال: ألبدت القِربة جعلتها في لَبيد.
ولبِيد: ٱسم شاعر من بني عامر.
قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي } أي قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي } { وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } وكذا قرأ أكثر القرّاء «قَالَ» على ا لخبر. وقرأ حمزة وعاصم «قُلْ» على الأمر. وسبب نزولها أن كفار قريش قالوا له: إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فٱرجع عن هذا فنحن نجيرك؛ فنزلت.
قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } أي لا أقدر أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق لكم خيراً. وقيل: { لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } أي كفراً { وَلاَ رَشَداً } أي هدًى، أي إنما عليّ التبليغ. وقيل: الضرَّ: العذاب، والرَّشد النعيم. وهو الأوّل بعينه. وقيل: الضر الموت، والرشد الحياة.
قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي } أي قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي } { وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } وكذا قرأ أكثر القرّاء «قَالَ» على ا لخبر. وقرأ حمزة وعاصم «قُلْ» على الأمر. وسبب نزولها أن كفار قريش قالوا له: إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فٱرجع عن هذا فنحن نجيرك؛ فنزلت.
قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } أي لا أقدر أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق لكم خيراً. وقيل: { لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } أي كفراً { وَلاَ رَشَداً } أي هدًى، أي إنما عليّ التبليغ. وقيل: الضرَّ: العذاب، والرَّشد النعيم. وهو الأوّل بعينه. وقيل: الضر الموت، والرشد الحياة.