*
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي
قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
يقول تعالى: لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى من
الله ورضوان، ومن بنى مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن
حارب الله ورسوله من قبل، فإنما يبني هؤلاء بنيانهم على شفا جرف هار، أي: طرف
حفيرة، مثاله { فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ
ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي: لا يصلح عمل المفسدين. قال جابر بن عبد الله: رأيت المسجد
الذي بني ضراراً يخرج منه الدخان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن
جريج: ذكر لنا أن رجالاً حفروا فوجدوا الدخان يخرج منه، وكذا قال قتادة، وقال خلف
بن ياسين الكوفي: رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله تعالى في القرآن، وفيه جحر
يخرج منه الدخان، وهو اليوم مزبلة، رواه ابن جرير رحمه الله. وقوله تعالى: { لاَ
يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } أي: شكاً
ونفاقاً؛ بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع، أورثهم نفاقاً في قلوبهم؛ كما أشرب
عابدو العجل حبه، وقوله: { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } أي: بموتهم، قاله
ابن عباس ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم والسدي وحبيب بن أبي ثابت والضحاك وعبدالرحمن
بن زيد بن أسلم وغير واحد من علماء السلف، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } أي: بأعمال خلقه
{ حَكِيمٌ } في مجازاتهم عنها من خير وشر.