* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685
هـ) مصنف و مدقق
{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ
أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا
يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ
تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ
ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن
دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ
وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا
مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ
ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ
فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ
عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }
* { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ
أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ
وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ
ٱلْمُجْرِمِينَ }
{ قُل لاَّ أَقُولُ
لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ ٱللَّهِ } مقدوراته أو خزائن رزقه. { وَلا أَعْلَمُ
ٱلْغَيْبَ } ما لم يوح إلي ولم ينصب عليه دليل وهو من جملة المقول. { وَلا أَقُولُ
لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ } أي من جنس الملائكة، أو أقدر على ما يقدرون عليه. { إِنْ
أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } تبرأ عن دعوى الألوهية والملكية، وادعى
النبوة التي هي من كمالات البشر رداً لاستبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدعاه. {
قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } مثل للضال والمهتدي، أو الجاهل
والعالم، أو مدعي المستحيل كالألوهية والملكية ومدعي المستقيم كالنبوة. { أَفَلاَ
تَتَفَكَّرُونَ } فتهتدوا أو فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل، أو فتعلموا أن اتباع
الوحي مما لا محيص عنه.
{ وَأَنذِرْ بِهِ } الضمير لما يوحى إلي. { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } هم المؤمنون المفرطون في العمل، أو المجوزون للحشر مؤمناً كان أو كافراً مقراً به أو متردداً فيه، فإن الإِنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته. { لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } في موضع الحال من يحشروا فإن المخوف هو الحشر على هذه الحالة. { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } لكي يتقوا.
{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } بعدما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أمره بإكرام المتقين وتقريبهم وأن لا يطردهم ترضية لقريش. روي أنهم قالوا: لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمين كعمار وصهيب وخباب وسلمان ـ جلسنا إليك وحادثناك فقال: " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا: فأقمهم عنا إذا جئناك قال «نعم». وروي أن عمر رضي الله عنه قال له: لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب فنزلت. والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام، وقيل صلاتا الصبح والعصر. وقرأ ابن عامر بالغدوة هنا وفي الكهف. { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } حال من يدعون، أي يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإِخلاص تنبيهاً على أنه ملاك الأمر. ورتب النهي عليه إشعاراً بأنه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم. { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْء } أي ليس عليك حساب إيمانهم فلعل إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم طمعاً في إيمانهم لو آمنوا، أو ليس عليك اعتبار بواطنهم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعداهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم. وقيل ما عليك من حساب رزقهم أي من فقرهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعاً فيه. { فَتَطْرُدَهُمْ } فتبعدهم وهو جواب النفي { فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } جواب النهي ويجوز عطفه على فتطردهم على وجه التسبب وفيه نظر.
{ وَأَنذِرْ بِهِ } الضمير لما يوحى إلي. { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } هم المؤمنون المفرطون في العمل، أو المجوزون للحشر مؤمناً كان أو كافراً مقراً به أو متردداً فيه، فإن الإِنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته. { لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } في موضع الحال من يحشروا فإن المخوف هو الحشر على هذه الحالة. { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } لكي يتقوا.
{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } بعدما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أمره بإكرام المتقين وتقريبهم وأن لا يطردهم ترضية لقريش. روي أنهم قالوا: لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمين كعمار وصهيب وخباب وسلمان ـ جلسنا إليك وحادثناك فقال: " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا: فأقمهم عنا إذا جئناك قال «نعم». وروي أن عمر رضي الله عنه قال له: لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب فنزلت. والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام، وقيل صلاتا الصبح والعصر. وقرأ ابن عامر بالغدوة هنا وفي الكهف. { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } حال من يدعون، أي يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإِخلاص تنبيهاً على أنه ملاك الأمر. ورتب النهي عليه إشعاراً بأنه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم. { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْء } أي ليس عليك حساب إيمانهم فلعل إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم طمعاً في إيمانهم لو آمنوا، أو ليس عليك اعتبار بواطنهم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعداهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم. وقيل ما عليك من حساب رزقهم أي من فقرهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعاً فيه. { فَتَطْرُدَهُمْ } فتبعدهم وهو جواب النفي { فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } جواب النهي ويجوز عطفه على فتطردهم على وجه التسبب وفيه نظر.
{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } ومثل ذلك الفتن، وهو اختلاف أحوال الناس في أمور الدنيا. { فَتَنَّا } أي ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدين فقدمنا هؤلاء الضعفاء على أشراف قريش بالسبق إلى الإِيمان. { لّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } أي أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق لما يسعدهم دوننا، ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء. وهو إنكار لأن يخص هؤلاء من بينهم بإصابة الحق والسبق إلى الخير كقولهم:
{ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ }
[الأحقاف: 11] واللام للعاقبة أو للتعليل على أن فتنا متضمن معنى خذلنا { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } بمن يقع منه الإِيمان والشكر فيوقفه وبمن لا يقع منه فيخذله.
{ وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } الذين يؤمنون هم الذين يدعون ربهم وصفهم بالإِيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة، وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله بعد النهي عن طردهم، إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرب ولا يطرد، ويعز ولا يذل، ويبشر من الله بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة. وقيل إن قوماً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فلم يرد عليهم شيئاً فانصرفوا فنزلت. { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا } استئناف بتفسير الرحمة. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالفتح على البدل منها. { بِجَهَالَةٍ } في موضع الحال أي من عمل ذنباً جاهلاً بحقيقة ما يتبعه من المضار والمفاسد، كعمر فيما أشار إليه، أو ملتبساً بفعل الجهالة فإن ارتكاب ما يؤدي إلى الضرر من أفعال أهل السفه والجهل. { ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ } بعد العمل أو السوء. { وَأَصْلَحَ } بالتدارك والعزم على أن لا يعود إليه. { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فتحه من فتح الأول غير نافع على إضمار مبتدأ أو خبر أي فأمره أو فله غفرانه.
{ وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التفضيل الواضح. { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } أي آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمين المصرين منهم والأوابين. { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } قرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على معنى ولتستوضح يا محمد سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يحق له فصلنا هذا التفصيل، وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم برفعه على معنى ولنبين سبيلهم، والباقون بالياء والرفع على تذكير السبيل فإنه يذكر ويؤنث، ويجوز أن يعطف على علة مقدرة أي نفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين.