* تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
{ فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ
أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا
هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ
يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
يقول تعالى مخبراً عن قوم
إبراهيم حين قال لهم ما قال، { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي: بالملامة في
عدم احترازهم وحراستهم لآلهتهم، فقالوا: { إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي:
في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها، { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ } أي: ثم
أطرقوا في الأرض، فقالوا: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ }. قال
قتادة: أدركت القوم حيرة سوء، فقالوا { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ
يَنطِقُونَ }. وقال السدي: { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ } أي: في الفتنة.
وقال ابن زيد: أي: في الرأي، وقول قتادة أظهر في المعنى؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك
حيرة وعجزاً، ولهذا قالوا له: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ }
فكيف تقول لنا: سلوهم إن كانوا ينطقون، وأنت تعلم أنها لا تنطق، فعندها قال لهم
إبراهيم لما اعترفوا بذلك: { أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ
يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } أي: إذا كانت لا تنطق، وهي لا تنفع ولا
تضر، فلم تعبدونها من دون الله؟ { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي: أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ،
الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر؟ فأقام عليهم الحجة، وألزمهم بها، ولهذا قال
تعالى:
{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }
[الأنعام: 83] الآية.
{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }
[الأنعام: 83] الآية.